إن شرقا أوسط جديدا آخذٌ في الظهور، ولكنه ليس الشرق الأوسط الجديد نفسه الذي كان المحافظون الجدد الأميركيون يبشرون به ويزعمون أنهم يعملون على إيجاده في الفترة التي سبقت غزو العراق عام 2003 أو أثناء الحرب بين "حزب الله" وإسرائيل عام 2006. إنه شرق أوسط جديد ينبع من داخله، ولا تفرضه قوى خارجية.
وتأتي جدّة هذا الشرق الأوسط الجديد من كونها غير مرهونة بتغيير أشكال الحكم، بل تتعلق بتنفيذ رؤية اقتصادية واجتماعية وسياسية طويلة الأمد تعمل على تحويل ميزان القوى في العلاقات الدولية. وإن الدول العربية في الخليج، التي تشهد تحولا ملحوظا على كل هذه الجبهات وتؤكد على نحو متزايد على ثقلها الجيوسياسي والاقتصادي، هي التي تقود هذا الشرق الأوسط الجديد.
لقد آن الأوان للولايات المتحدة والمجتمع الدولي للاعتراف بهذا الواقع الناشئ وتكييف تعاملهما مع الشرق الأوسط وفاقا لذلك.
إن ثمة وعيا متزايدا في مختلف أنحاء الشرق الأوسط بأن الاستقرار والازدهار في منطقة الخليج يصب في مصلحة الدول العربية كافة، ولا سيما في وقت تعاني فيه الكثير من هذه الدول، من مصر إلى لبنان وأماكن أخرى، على الصعيد الاقتصادي، وقد عقدت المملكة العربية السعودية الشهر الماضي المؤتمر السابع لمبادرة مستقبل الاستثمار. ويستضيف المؤتمرَ صندوق الاستثمارات العامة، وهو صندوق الثروة السيادية للمملكة العربية السعودية، والذي يستقطب أكبر الشخصيات الاقتصادية في العالم التي تتدفق إلى المملكة العربية السعودية للتوسط في صفقات استثمار وبناء واسعة النطاق.
وفي حين ترى هذه الشركات الدولية في المملكة العربية السعودية فرصة هائلة لتحقيق الربح، فإن شراكات المملكة معها تهدف أيضا إلى دفعها للاستثمار في المملكة العربية السعودية. ويُعدّ هذا الاستثمار جزءا من استراتيجية المملكة العربية السعودية الرامية لتحقيق أهدافها الاقتصادية. فالنمو الاقتصادي في المملكة العربية السعودية يعني بدوره زيادة الفرص للشركات والأفراد من بقية العالم العربي.
إن الاستثمار الاقتصادي الدولي في المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول العربية في الخليج يعني أيضا أن الشركات الدولية لن ترغب في رؤية عدم الاستقرار يهدد استثماراتها. لقد بذلت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودول الخليج العربي الأخرى جهدا كبيرا لحماية مساراتها الاقتصادية من الاضطرابات السياسية التي تسود المنطقة. وانتقد بعض المراقبين الخارجيين دول الخليج التي مضت قدما في استضافة أحداث اقتصادية ورياضية وثقافية دولية كبيرة، في وقت تحتدم فيه الحروب في أماكن أخرى في المنطقة. ولكن لن يكون من المنطقي أن تقوم تلك الدول الخليجية بتجميد مصالحها وأهدافها الاقتصادية الوطنية في هذا السياق.