يبرز فن الطهي في تلقيه معتمدا على التذوق والرائحة كعنصرين رئيسين تتكوّن من خلالهما تجربة المتلقي. أما الطهي في السينما، فيعرض بديهيا وسط سياق محفز لهذين العنصرين اللذين لا حضور ماديّا لهما في الضوء والصوت، ويأتي تفعيل ذلك عند دمجه في سياق استثارة الحواس، ويتجلى الإبداع فيه عندما يقدّم بأدوات بعيدة عن مضمون الطعام نفسه، مثل صوت فرقعة النار في الأماكن الخاوية باعتبار أن ذلك سياق تقني، أو في خلق السبب المؤدّي إليه عبر سياق سردي مثلما حدث في الكوميديا المحتفية التي بحثت عن أفضل طبق "رامن" في فيلم "تامبوبو" (1985) للمخرج جوزو إيتامي، وفي العديد من أفلام الطهي الأخرى.
أما في الفيلم الفرنسي ،"شغف دودين بوفان"، الذي يحمل في الإنكليزية عنوان "مذاق الأشياء"، فإن العناصر السردية تلعب دورا رئيسا في إرشاد الحواس وتشكيل الصورة، ليتجسّد الفن في عملية الإبداع والتكوين ذاتها، دون التركيز على نتيجته النهائية أو العمل على زخرفتها، ويرتبط مذاقها في دوافع الفنان (الطاهي)، وتكون إذاعة الجهود هنا قربانا داخل نسيج الأحداث، والوجبة (العمل الفني) لذيذة بما تحمله من عطاء، ليتحوّل فعل الطهي البسيط فعلا يحمل في طياته أعلى درجات الحب.
ذوّاقة وطاهية
من خلال قصة تنقلنا إلى أواخر القرن التاسع عشر في فرنسا، وتحديدا إلى العام 1885، يسلّط المخرج والمؤلف الفرنسي الفييتنامي تران آن هونغ في جديده، "شغف دودين بوفان"، الذي حاز من خلاله جائزة أفضل إخراج في "مهرجان كانّ السينمائي" 2023، الضوء على عالم المطبخ الراقي الذي يشكله الثنائي دودين ويوجين، الذوّاقة ومساعدته الطاهية اللذان عاشا في المكان نفسه وعملا بين قدوره، وعلى وصفاته المعقدة لأكثر من 20 عاما، قدّما خلالها أشهى الأطباق وأكثرها رقيا، جاذبين بذلك أصدقاء لدودين يشاركونهما الاهتمام، وخبراء التذوّق من مختلف أنحاء العالم.