تعود حكاية الولع بكرة القدم إلى سديم الطفولة، لكن من أوقدَ فتيلها بضراوة في سنّ يفوعة محتدمة هو كأس العالم في مكسيكو 1986. وحدها المصادفة ساقتني إلى بيت العمّة في الضاحية بتلك الصائفة المتزامنة مع أطوار كأس العالم، وقيّضَ لي أن أشاهدَ عبر تلفاز صغير بالأبيض والأسود، نحتشد حوله بذهول كاسح في الريف مع الرعاة والحصّادين وغيرهم، إذ بيت العمّة مشرع الكرم المفرط على العالم. أوّل مباراة شاهدتها كانت للمغرب ضدّ البرتغال، وفاز فيها المنتخب المغربي بثلاثيّة. في الغد صخبت سماء المكان بنا، وقد صنعنا كرة من وَبَر البقر، طفقنا نتقاذفها مترنّمين بأسماء كلّ من عزيز بودربالة، الظلمي، التيمومي، الزاكي، خيري... على طول فراسخ النهار.
أكثر من نجم
مارادونا كان اكتشاف الكأس السحريّة، وكلّ مباراة للمنتخب الأرجنتيني غَدَا ترقّبها أشبه بانتظار موعد خارق، مدهش، لا يضاهي إعجازيةَ الشّعور شيءٌ آخر من متع فرجة ألعاب الطّفولة.
هذا الساحر الأرجنتينيّ ضاعفَ من الولع بالكرة حدّ الجنون، وأمسى أكثر من نجم.
بكى الحشد لهزيمة المغرب أمام ألمانيا بهدف غادر من ماتيوس، لكنّ الإعجابَ بمارادونا عوّض خيبةَ خسارة المنتخب المغربي وخروجه من معترك المنافسات، مع أنّه حقّق إنجازا قاريّا وعربيا غير مسبوق، بمروره إلى الثمن من النهائيّات.