يعتقد كل من يسمع موّشح يا غريب الدار، أو موّشح لاهٍ تياه، وعجبا لغزال قتال، وآه لقلبي والقمر، ولحظ رنا، ويا من نشا حبه في الحشا... أنهاموّشحات أندلسية، ولا بد من أنها تعود إلى القرن الثالث عشر الميلادي، لكن الغريب أن صاحب الكلمات وملحن هذه الموشحات ومثلها الكثير، هو الشاعر والمغني المصري فؤاد عبدالمجيدالمستكاوي، الذي توفي في تسعينات القرن الماضي، بعد أن بدأ مسيرته الفنية وقدمها في بداية الثمانينات، أي في زمن الأغاني الحديثة، والفرق الموسيقية المستحدثة والجديدة.
وعلى الرغم مما ترك من كلاسيكيات إبداعية باهرة، لكنه حتى اليوم لا يزال شبه مجهول للناس في مصر والعالم العربي، بل يمكن القول إنه الشاعر والملحن الذي بقي في الظل، بينما عُرفت أعماله شهرة وخلودا، وهذا نادر الحدوث.
كتب فؤاد عبد المجيد الموشحات العربية وقصائد عديدة، ودواوين شعرية، ويقال أيضا إن لديه مخطوطة لم تنشر بعد في حوزة أسرته. كان غزير الإنتاج في فنون تبدو آتية من سفر شيّق وزمن عتيق بعد أن وضعها في خانة الإبداع والجمال، وترك ما ترك في بهو الذاكرة الجديدة لتستمر، ولولا علاقة أخيه بالموسيقار عبد الحليم نويرة، لما خرجت كنوزه هذه التي يتغنى بها اليوم جميع الفرق الموسيقية العربية وفي أجمل مناسباتها، وكأنها أداة من أدوات الاتقان الفني، وشهادة عبور، عزفا وغناء. أمّا نويرة الذي كان قائدا لفرقة الموسيقى العربية بعد تأسيسها، فكان مشبعا بالتراث الموسيقي الأصيل وباللغة العربية ولغات عالمية أخرى. أُعجب كثيراَ بما يكتبه فؤاد عبد المجيد، ولأنه قدّر أعماله، أصدر له 15 أغنية من فن الموشح، وهي الرائجة حتى اليوم.
على الرغم مما ترك من كلاسيكيات إبداعية باهرة، لكنه حتى اليوم لا يزال شبه مجهول للناس في مصر والعالم العربي، بل يمكنالقولإنه الشاعر والملحن الذي بقي في الظل
كان فؤاد عبدالمجيد شغوفا منذ بداياته بأن يتعلم كتابة فن الموشحات، فذهب بنفسه إلى الشيخ صَفَرْ علي، وهو شيخ فن الموشحات في القرن التاسع عشر والعشرين، وقامة من قامات مصر. تتلمذ على يده، فتعلم منهسر الخلطة لكتابة الموشحات، والتي كما نعرف لها قالب مختلف عن الشعر قليلا، بوصفه شعرا مستحدثا، حيث الأجزاء المقفاة والأجزاء الموزونة، وكأنها مرصّعة بجواهر الكلم، ومع تعلم كتابة الموشحات تعلم أيضا العود، فلحن ما كتب، بعيدا من النجومية، إلى أن تعرف على علي رضا صاحب (فرقة علي رضا)، الذي تفاجأ بموشحاته، وكان قد بلغ فؤاد منتصف الخمسين من عمره، فنفذ علي رضا أغانيه الملحنة مع رقص مسرحي وأداء مجسّدا معاني الكلمات، لتنتشر الأغنية والموسيقى دون أن يخرج فؤاد عبد المجيد إلى الشاشات إلا في ما ندر.
وأخيرا ولكل من هو مُهتمٌ باستثمار غني وذكي في حقل الابداع، فلا بد أن يعلم تماما عمق العمل الابداعي ومدى اكتساحه، بأنه أهم بكثير من المبدع نفسه، وإن ما يحصل اليوم هو العكس، أي بتواجد الفرد في كل حفل، دون أن يُعرف له عمل مستحق.
أفراد أسرة المستكاوي المعروفة في مصر، والأفراد المشهورون منهم، سواء في مجال الرياضة والنقد والصحافة وهم كثر... يؤكدون أنه حين كان يكتب ويلحن وينتهي، يعود للحذف، فلم يكن راضيا تماما عن أعماله.
هذا التواضع الجم والبساطة، أليست من صفات عباقرة الفن، في وقت كان النجوم فيه يشغلون الصحافة، ليبقى هو في الظل.