يبدو الكلام عن الكتابة في زمن الحرب والقتل الغاشم الذي يصل إلى مستوى الإبادة، نوعا من الرفاهية، لكن ألا تزيد هذه الفكرة نفسها، فكرة الامتناع عن الكتابة، من صعوبة الحياة، ألا تجعلها خانقة وتقلل فرص الحديث إلى الآخر - أياكان نوع هذا الآخر وليس بالضرورة أن يكون الغرب – في حين أن الكتابة نفسها وسيلة لتسجيل اليومي وحفظ أثر الحقبة ومساءلة العالم وكذلك الحديث إلى الذات؟
في فيلم "حمّى البحر المتوسط"، حديث عن الكتابة، أو بالأحرى عن محاولة الكتابة، المحاولة التي قد تستغرق الحياة كلها وتحولها إلى محض انتظار ممض لهذا الفعل، وتحضير طويل ومشتت له. على ضوء هذا الانتظار، أو بالأحرى في ظله، ألا يتوجب إعادة النظر إلى العالم، وربما إدانته، قبل كل شيء حين يحرم الكاتب من الإلهام، ويسلبه أعز ما يملك ألا وهو الخيال؟
وليد، يؤدّي دوره عامر حليحل، هو مشروع هذا الكاتب، الذي يشتغل بدوره على مشروع رواية ما، لا نعرف عنها شيئا، ولعله هو أيضا يجهل عمّا ستكون، على الرغم من أنه، كما سنفهم لاحقا، قد غادر وظيفته الرسمية، وترك لزوجته عُلا، تؤديها عنات حديد، التصرف في الأمور المتعلقة بالحياة المادية لأنها لا ينبغي أن تشغل عادة عقول الأدباء. مع هذا، فإنه لا يكتب شيئا، "وخياله الواسع" كما كان يقول له أخوته حين يختلق الكذبات صغيرا، لا يُسعفه سوى في إنتاج الكوابيس. "حمى البحر المتوسط" يبدأ بأحدها، إذ يرى وليد نفسه في حوار هادئ وغريب مع أخ له حول احتمال أن يكون قد قتل أمه، ولا تثير تلك الفكرة لدى الأخ سوى وصلة هزلية من التبرير. من هنا تدشن المخرجة مها الحاج أسلوبها السينمائي، فبدلا من استعراض مسرح الجريمة مثلا، أو متابعة الأم المتوفاة على سرير الإسعاف، تركز الكاميرا على الثرثرة الساخرة بين الأخوين.