مع ازدياد مدة الأزمة القائمة المتعلقة بقرابة 240 رهينة إسرائيلية تحتجزهم "حماس" في غزة، تتكشف انقسامات سياسية عميقة داخل إسرائيل حول كيفية حل هذه القضية.
على أحد جانبي الطيف السياسي هناك متشددون يعتقدون أن السبيل الوحيد لتأمين حرية الرهائن يتلخص باستخدام القوة العسكرية استخداما حازما، وهم بذلك يأملون أن يؤدي ذلك إلى إرغام "حماس" على إطلاق سراح الأسرى.
وعلى الجانب الآخر، هناك أولئك الذين يقولون إن الأولوية القصوى لإسرائيل يجب أن تكون ضمان حرية الرهائن، بغض النظر عن التأثير الذي يمكن أن يخلفه الاتفاق على الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة، ومن بين هؤلاء عائلات أولئك الذين أسرتهم "حماس" خلال هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول ضد إسرائيل.
ومن الجدير بالذكر أنه إلى جانب الرهائن الإسرائيليين، أدى الهجوم المفاجئ الذي شنته "حماس" في 7 أكتوبر/تشرين الأول إلى مقتل نحو 1200 شخص في إسرائيل، تلا ذاك الهجوم العسكري المستمر على "حماس" في غزة، والذي أسفر لغاية الآن عن مقتل ما يقدر بنحو 11500 فلسطيني.
أثارت الطبيعة المثيرة للانقسام لقضية الرهائن هذه احتجاجات واسعة النطاق في تل أبيب والقدس، حيث يطالب المتظاهرون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإعطاء الأولوية لتأمين إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين على حساب العمليات العسكرية التي يقوم بها القوات الاسرائيلي والتي تهدف إلى تفكيك "حماس".
وتجلت قوة المشاعر بين أولئك الذين يطالبون بإطلاق سراح الرهائن بشكل واضح هذا الشهر، عندما قام الآلاف من أفراد عائلات الرهائن ومؤيديهم بمسيرة إلى القدس، منتقدين طريقة تعامل نتنياهو مع الحرب ضد "حماس" ومناشدين الحكومة القيام بكل ما يلزم من أجل إطلاق سراح الرهائن وإعادة أحبائهم إلى المنزل.
وجاء الاحتجاج بعد مسيرة 70 كيلومترا قام بها المتظاهرون من تل أبيب إلى القدس استغرقت خمسة أيام، وهو ما يمثل أكبر احتجاج على الإطلاق يُنظّم تمثيلا للرهائن الإسرائيليين. وعقب وصولهم إلى القدس، رفع المتظاهرون بالونات صفراء كُتِب عليها "أعيدوهم إلى البيت".
ودفع الحجم الهائل للاحتجاجات نتنياهو إلى التدخل، مدعيا أنه يقف إلى جانب المتظاهرين في محاولتهم تحرير الرهائن، قائلا: "أنا أسير معكم. والشعب الإسرائيلي كله يسير معكم"، ووعدهم بأنه "عندما يكون لدينا ما نقوله، فسنبلغكم به"– وهو ما اعتبره البعض إشارة مضمنة إلى المفاوضات الدقيقة الجارية مع قطر للإفراج عن بعض الرهائن.
وأسفرت المفاوضات في نهاية المطاف عن موافقة نتنياهو على صفقة قبلت بموجبها "حماس" إطلاق سراح 50 امرأة وطفلا محتجزين مقابل وقف إطلاق النار لمدة أربعة أيام والإفراج عن 150 امرأة وطفلا فلسطينيا محتجزين في السجون الإسرائيلية.
لا يزال من غير المرجح أن تؤدي عملية مبادلة الرهائن الإسرائيليين بالمعتقلين الفلسطينيين إلى إنهاء القتال، وبالتأكيد إذا نجح نتنياهو في تحقيق مراده
ويزعم أنصار نتنياهو أنه يسعى إلى تحقيق هدفين منفصلين ولكن مترابطين: إلحاق الهزيمة العسكرية بـ"حماس"، والعمل في الوقت نفسه على إعادة الرهائن إلى ديارهم. ومع ذلك، فإن المخاوف بشأن كيفية التوفيق بين هذين الهدفين المختلفين للغاية أدت إلى احتجاجات مستمرة ضد الحكومة. وتصاعدت التوترات فوصلت إلى البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) هذا الأسبوع عندما حاولت عائلات الرهائن تعطيل نقاش يقوده سياسيون يمينيون يدعون إلى فرض عقوبة الإعدام على أعضاء "حماس" المدانين بارتكاب أعمال إرهابية.
ولا ريب في أن الانقسامات السياسية العميقة داخل إسرائيل حول مصير الرهائن المتبقين سيكون لها تأثير على النتيجة النهائية للمفاوضات التي ترعاها قطر ومصر والتي تجري لتأمين إطلاق سراح جميع الأسرى.
ربما كان الجانب الأكثر إثارة للدهشة في مفاوضات الرهائن هو الدور الذي لعبه يحيى السنوار، قائد لحركة "حماس" في غزة والمتهم بالتدبير الشخصي لهجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول.
وتعتبر إسرائيل السنوار، الذي قضى 22 عاما في سجن إسرائيلي بعد أن حكم عليه بأربعة أحكام بالسجن المؤبد عام 1988 بتهمة محاولة القتل والتخريب، العدو رقم واحد، لدرجة أن نتنياهو وعد مؤخرا بقتل زعيم "حماس"، حين وصفه بأنه "رجل ميت" لا محالة.
ومع ذلك، تمكن السنوار البالغ من العمر 61 عاما، والذي أطلق الإسرائيليون سراحه كجزء من صفقة تبادل أسرى عام 2011، من البقاء في غزة لتوجيه العمليات، حيث يستخدم الآن تجربته الشخصية في المشاركة في عملية مبادلة رهائن لترتيب صفقات مماثلة.
ولكن لا يزال من غير المرجح أن تؤدي عملية مبادلة الرهائن الإسرائيليين بالمعتقلين الفلسطينيين إلى إنهاء القتال، وبالتأكيد إذا نجح نتنياهو في تحقيق مراده.
ولم يكتف رئيس الوزراء الإسرائيلي بمقاومة الدعوات الكثيرة من المجتمع الدولي لفرض وقف لإطلاق النار من شأنه أن يسمح لوكالات الإغاثة بتقديم الإغاثة التي تشتد الحاجة إليها لمئات الآلاف من سكان غزة المحاصرين بسبب القتال، بل قام مؤخرا بتكثيف الهجوم العسكري الإسرائيلي الضخم لتدمير "حماس"، حيث تستهدف القوات الإسرائيلية بشكل منتظم المستشفيات التي تزعم أنها تستخدم من قبل "حماس" كمراكز للقيادة والسيطرة العسكرية. وفي الوقت نفسه، وعلى الرغم من موافقتها على الإفراج الجزئي عن الرهائن الإسرائيليين، تعهدت "حماس" بمواصلة حربها ضد الإسرائيليين.
ما لم يتعرض نتنياهو لضغوط جدية من خصومه السياسيين المحليين، أو حلفائه الرئيسين مثل الولايات المتحدة، لتنفيذ وقف إطلاق النار الذي يمكّن من إطلاق سراح جميع الرهائن، فإن إراقة الدماء في غزة سوف تستمر إلى أجل غير مسمى
حقيقة أن الحكومة الإسرائيلية لم تظهر أي علامة على تقليص عملياتها العسكرية، حتى لو كان ذلك يعني تعريض مصير الرهائن الإسرائيليين للخطر تشير إلى أن شيئا لن يثني نتنياهو وأنصاره عن عزمهم مواصلة الهجوم حتى يحققوا هدفهم المعلن المتمثل في محو "حماس" من على وجه الأرض.
وبعد أن ركزت القوات الإسرائيلية الكثير من عملياتها العسكرية حتى الآن في شمال غزة، فإنها تتطلع الآن إلى توسيع عملياتها العسكرية في جنوب القطاع، حيث أفادت جماعات حقوق الإنسان أن الطائرات الحربية الإسرائيلية تكثف غاراتها الجوية في المنطقة.
وفي مثل هذه الظروف، فإن الاحتمال الوحيد لأن تبدي حكومة نتنياهو أي اهتمام جدي بإنهاء هجومها العسكري في غزة هو أن يصبح الضغط الذي تمارسه عائلات ومؤيدو الرهائن الإسرائيليين المتبقين الذين لا يزالون محتجزين لدى "حماس" كبيرا لدرجة يمكن أن تُضطر الزعيم الإسرائيلي إلى الاستجابة في النهاية والدعوة إلى وقف القتال.
وعلى الرغم من أنها مهمة صعبة، فمن المتوقع أن يستمر العنف الحالي في غزة ما لم يواجه نتنياهو ضغوطا كبيرة من خصومه السياسيين في إسرائيل أو من حلفائه الرئيسين مثل الولايات المتحدة، مما يدفعه إلى بدء وقف إطلاق النار الذي يضمن حرية جميع الرهائن.
وعلى الرغم من أن هذا المسعى قد يكون تحديا، إلا أنه من المرجح أن يستمر سفك الدماء المستمر في غزة ما لم يواجه نتنياهو ضغوطا كبيرة، إما من خصومه السياسيين داخل بلاده أو من حلفاء مهمين مثل الولايات المتحدة لبدء وقف إطلاق النار الذي يضمن إطلاق سراح جميع الرهائن.
وحتى الآن، يبدو الأمر بعيد المنال، فما لم يتعرض نتنياهو لضغوط جدية من خصومه السياسيين المحليين، أو حلفائه الرئيسين مثل الولايات المتحدة، لتنفيذ وقف إطلاق النار الذي يمكّن من إطلاق سراح جميع الرهائن، فإن إراقة الدماء في غزة سوف تستمر إلى أجل غير مسمى.