افتتح العام 1943 بسيل من برقيات التهنئة البروتوكولية التي وصلت إلى مقر رئيس الجمهورية اللبنانية ألفريد نقاش بمناسبة عيد رأس السنة الميلادية. لم يكن نقاش يعلم، وهو المعين من قبل سلطة الانتداب الحاكمة، أن ولايته قاربت على الانتهاء وأن أربعة رؤساء سيخلفونه في الحكم حتى نهاية ذلك العام. خمسة رؤساء في سنة واحدة. أما اليوم وبعد مرور ثمانية عقود يُعاني لبنان من فراغ رئاسي كبير وشغور كرسي الحكم في قصر بعبدا منذ نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال عون في أكتوبر/تشرين الأول 2022. جرى هذا التداول السلمي للسلطة قبل ثمانين سنة، ويُصادف الذكرى الثمانين أيضا لاستقلال لبنان عن الانتداب الفرنسي في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1943.
من ألفريد نقاش إلى بشارة الخوري (يناير– سبتمبر 1943)
لم تكن الرئاسة اللبنانية يومها حكرا على المسيحيين الموارنة وقد تولّتها في فترة الانتداب شخصيات أرثوذوكسية وبروتستانتية وترشح لها الزعيم الطرابلسي المسلم الشيخ محمد الجسر سنة 1936، دون أن ينجح. بعد ألفريد نقاش، عُين المحامي البروتستانتي أيوب ثابت رئيسا للدولة في 18 مارس/آذار 1943 وحكم البلاد 145 يوما وضع فيها مسودة قانون انتخابات قسّم من خلاله أعضاء المجلس النيابي على الشكل التالي: 32 مسيحيا و22 مسلما، مع إعطاء المغتربين، وكان عددهم قرابة 160 ألفا (معظمهم من المسيحيين) حق المشاركة في الانتخابات التشريعية. رُفض مشروعه من قبل المسلمين كافة واستقال ثابت من منصبه في 22 يوليو/تموز 1943 ليخلفه المحامي الأرثوذوكسي بيترو طراد، الرئيس الثالث سنة 1943.
بين الخوري وإده
عدّل الرئيس طراد قانون الانتخاب وجعل المجلس النيابي 55 عضوا (30 مسيحيا و25 مسلما) مع إلغاء حق المغتربين في التصويت بحجة أنهم لا يدفعون ضرائب في لبنان. جرت في عهده الانتخابات النيابية بين مرشح فرنسا إميل إده، ومرشح الكتلة الدستورية الشيخ بشارة الخوري، فاز فيها الأخير وانتُخب رئيسا للجمهورية في 21 سبتمبر/أيلول 1943. كان الخوري محاميا قديما من الطبقة المسيحية الوسطى، نُفي إلى مصر في الحرب العالمية الأولى وعاد ليصبح رئيسا لثلاث حكومات في زمن الانتداب ويؤسس الكتلة الدستورية الداعية إلى استقلال لبنان وانخراطه مع محيطه العربي. أما إميل إده الذي كان رئيسا للجمهورية سنة 1936، فكان يؤمن بلبنان وطنا قوميا للمسيحيين ويعدّه مختلفا من الناحية الحضارية والثقافية عن بقية الدول العربية.