دور السعودية في حرب 73

دور السعودية في حرب 73

مرت خمسون سنة على حرب 6 أكتوبر/تشرين الأول أو العاشر من رمضان سنة 1973 وقد احتفي بالمناسبة في هذه الأيام، وطرحت النقاشات القديمة حول جدوى استخدام النفط كسلاح. يدعو بعض الأصوات إلى استخدام سلاح النفط مرة ثانية، لعله يحقق النجاح الذي حققه موقف 1973، لكن هذا غير ممكن، فزبائن نفط السعودية الكبار اليوم لم يعودوا الأميركيين والأوروبيين، بل الصين وروسيا والهند، وما تستورده أميركا اليوم من السعودية قليل يمكنها تعويضه من نفط المكسيك أو كندا. على كل حال، ليس هذا موضوعنا.

إذ يندر أن تجد من يذكر الدور السعودي في هذه المعركة التاريخية بين العرب وإسرائيل، فقد رأيت أن من حق أبنائنا علينا أن نحدثهم عن الموقف المشرف لبلادهم في هذه الحرب نصرةً للمظلوم من إخوانهم العرب، فخلال الخمسين سنة الماضية ولدت أجيال لا تعرف عن هذه الحرب شيئا، ومع الدعايات السيئة الرديئة التي يبثها إعلام عربي ضد أمّ العرب، قد يتصور البعض أننا لم يكن لنا كبير دور في تلك الحرب التي انتصر فيها العرب على إسرائيل. وقد يتجاوز الأمر هذا، فترى أن قناة فضائية تستضيف رجلا يوصف بالمفكر العربي، لكي يترك العالم ويهاجم السعودية وحدها، فيشكك في نياتها ويقلل قيمة كل ما تفعله، ويتهمها بما ليس فيها. هذا وضع يتعيّن تصحيحه، على الأقل بالنسبة إلى أبناء السعودية.

رفعت السعودية شعار التضامن العربي لإدراكها أن التشرذم كان له دور كبير في الهزائم المتتالية أمام إسرائيل

أول ما ينبغي ذكره هو أن السعودية رفعت شعار التضامن العربي والدعوة إلى وحدة الصف لإدراكها أن التشرذم كان له دور كبير في الهزائم المتتالية أمام إسرائيل، فكانت الخطوة الأولى دعوة العرب إلى قمة السودان في 1967، ولإنجاح هذه القمة أعلنت السعودية المرونة في مناقشة مشكلة اليمن التي وقع الخلاف حولها بين السعودية ومصر جمال عبد الناصر، على الرغم من أن طيران عبد الناصر قد ضرب أبها ونجران، وانتهى التقارب إلى اتفاق سلام بين الدولتين. فكرة "التضامن العربي" هي فكرة سعودية خالصة تنطلق من مشروع الملك عبد العزيز لتوحيد العرب قاطبة وقد بلغ هذا التضامن قمته في حرب 73 عندما أدرك الملك فيصل في تلك الفترة ضرورة تنقية الأجواء وتطهير النفوس وتجاوز الماضي وما وقع فيه من خصومات وسرى هذا الشعور في العرب جميعا، أنه ما حكّ جلدك مثل ظفرك. واتضح في تلك الأيام أن دعم السوفيات كان مجرد تشجيع بالكلام والذخيرة الرديئة، مثلما يفعل بوتين اليوم.

لم تبخل السعودية يوما على أشقائها العرب بالغالي والنفيس، خصوصا دول المواجهة مصر وسوريا والأردن ولبنان، ولم تكن تنظر إلى تلك الحروب مع إسرائيل من موقف محايد بل كانت ترى تلك الحروب حروبا على كل العرب، ودخلت لأجل ذلك في صراع كبير مع الولايات المتحدة على الصعيد السياسي والعمل الديبلوماسي، فقد دانت التحيز الأميركي لإسرائيل في كل المحافل وربطت تحسن العلاقات مع الأميركيين بتغيير موقفها الداعم المطلق لإسرائيل.

على الصعيد العسكري، خاض السعوديون معركة "رجم الخياط" بسلاح المدرعات بعد الالتحاق بالقوات السورية ومعركة "تل مرعي"، فلم تكن الخطة السعودية تنحصر في مجرد تزويد الأخوة السوريين السلاح، بل شارك السعوديون في المعارك بأنفسهم وأظهر المقاتل السعودي قدرة قتالية فائقة، وكالعادة سقط في تلك المعارك شهداء سعوديون ممن لا يذكرهم أحد، إلا القليل من المنصفين. كانت معركة مجيدة وحقق المصريون نصرا مؤزرا بتحطيم خط بارليف بعدما عبروا قناة السويس.

شارك السعوديون في المعارك بأنفسهم، وسقط في تلك المعارك شهداء سعوديون ممن لا يذكرهم أحد

وفي السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973 أعلنت السعودية حظر النفط مما أدّى إلى مزيد من لفت الانتباه إلى القضية الفلسطينية وجعل أميركا وأوروبا تعرفان القيمة الاستثنائية للسعودية وتأثيرها الكبير في المنطقة وعرفتا أيضا مدى احتياجهما إلى النفط السعودي، ومن تلك السنة بدأ الحديث عن إمكان السلام. ولا يزال إلى اليوم موقف السعودية من القضية الفلسطينية هو ذاته لم يتغير قيد أنملة، وحتى عندما تناقش اليوم عن التطبيع مع إسرائيل، فإنه تطبيع مقيد بحفظ حقوق الفلسطينيين وليس تطبيعا مجانيا، والبرهان على هذا أحداث غزة الأخيرة، حيث اصطفت السعودية من أول يوم مع الفلسطينيين ودانت إسرائيل، ولا تزال إلى هذه اللحظة تبذل الجهود لانتزاع موقف يدعو إلى وقف إطلاق النار.

font change