حيفا- سأبدأ بملاحظة توضيحية للقارئ البعيد عن الأحداث، أو حتى لجيل جديد من القراء، بما في ذلك الفلسطينيون، الذين لا يعرفون الفرق بين منظمة التحرير (م.ت.ف) والسلطة الفلسطينية. وهما، نظريا، جسمان سياسيان وهيئتان مختلفتان ومنفصلتان، ويتم الخلط بينهما لأهداف سياسية تخدم من يقف على رأس هاتين المنظومتين، وهو شخصٌ واحد، في حين أن الفصل بينهما أفضل، وأجدى قيميا وسياسيا ويخدم النضال الوطني الفلسطيني بشكل أجدى وأفضل.
ويأتي ذلك ضمن تجاوزات أضرت بكفاح الفلسطينيين، وأدت إلى تهميش كياناتهم الوطنية، وصولا إلى شللها، مع التخلي الفعلي عن تمثيل عموم الفلسطينيين، وذلك حصل في الماضي من خلال التخلي الطوعي عن تمثيل الفلسطينيين في إسرائيل منذ البدايات، وعمليا التخلي عن اللاجئين وتمثيلهم بعد اتفاق أوسلو، وهو ما يتجلى الآن، مرة أخرى، في ترك فلسطينيي غزة وحدهم، بحيث تستفرد إسرائيل بهم وتمعن في قتلهم وتهجيرهم.
وقد تم تدشين منظمة التحرير في يونيو/حزيران 1964، بمبادرة الرئيس المصري جمال عبدالناصر عقب مؤتمر القمة العربية في القاهرة، يناير/كانون الثاني 1964، وبعدها أمست المنظمة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني (1974)، مع اعتراف عربي ودولي، بفضل التفاف الشعب الفلسطيني حولها، واعتبارها كيانا سياسيا جامعا للفلسطينيين في كل أماكن وجودهم، يعبر عنهم وعن قضيتهم الوطنية.
حصلت المنظمة لاحقا على اعتراف إسرائيلي مقابل موافقتها على اتفاق أوسلو (1993)، المجحف والناقص، في الرسائل المتبادلة بين رئيس اللجنة التنفيذية ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين (آنذاك). وفي المقابل أقيمت السلطة بناء على الاتفاق المذكور، مدشنة بذلك تحول الحركة الوطنية الفلسطينية من حركة تحرر وطني، إلى سلطة تحت الاحتلال. وفي البدايات كانت إسرائيل العامل المبادر في صياغة شكل السلطة ومهماتها، ولا زالت تقوم بدور مركزي في تمكينها من الحكم المحدود في مناطق (أ) و(ب) في الضفة الغربية، أي إنه حكم ذاتي وليس سياديا للسكان وإدارة شؤونهم اليومية وليس للأرض والحدود، ووفقا لاتفاقات التنسيق الأمني والتبعية الاقتصادية.