تكثر الأحاديث الإسرائيلية والأميركية هذه الأيام عن "اليوم التالي" للحرب على غزة، وتستنفر مراكز الأبحاث والدراسات في رسم خارطة طريق ما بعد العدوان، وهناك اتصالات مكثفة تجريها الولايات المتحدة مع السلطة الفلسطينية في رام الله، ومع كثير من الدول العربية في هذا الخصوص.
عنوان هذه الاتصالات: من سيحكم غزة بعد قضاء إسرائيل على الفصائل المسلحة فيها؟
بداية أرغب في الإشارة هنا إلى أن هذه المسألة لا أخلاقية لثلاثة أسباب:
الأول أنها تحرف البوصلة عن الجرائم التي ترتكبها دولة الاحتلال في غزة والضفة، وعن الهدف الأساسي الذي يجب العمل عليه، وهو وقف الحرب وإيصال المساعدات الإنسانية لأهل غزة.
والثاني أنها تمنعنا من التركيز على إفشال خطة الاحتلال بتهجير الفلسطينيين.
والثالث أن حديثا كهذا يفترض أن هناك قبولا بأن يستمر الاحتلال في إجرامه وحصد أرواح المدنيين إلى أجل غير مسمى، حيث إن هدفه المعلن- كما يدعي- القضاء على كل الفصائل المسلحة في غزة، وهو هدف غير منطقي وغير قابل للتحقيق.
دعوني أفصل؛ لم نشاهد هذا الحجم من الإجرام في قتل المدنيين في تاريخنا الحديث. المستشفيات، المدارس، دور العبادة، المخابز، خزانات المياه، الصرف الصحي، محطات وشبكات الكهرباء والاتصالات، البيوت، وحتى الطرق التي قيل للناس إنها آمنة للرحيل إلى جنوب غزة، جميعها تقصف وتدمر.
إلى يومنا هذا دمرت إسرائيل بشكل كامل أو جزئي أكثر من 45 في المئة من المنشآت في غزة. حتى بعد احتلال الاسرائيليين لشمال غزة وعدم وجود ذرائع عسكرية كاذبة بالحاجة للتدمير، قاموا بأخذ صورة تذكارية لهم في مبنى المجلس التشريعي ثم قاموا بتدميره.
يوميا هنالك ما بين 200-500 مدني تقتلهم إسرائيل في غزة. هذا العدد من الضحايا المدنيين لم نشاهده في أية حرب سابقة، لا في حرب صربيا على البوسنة، ولا في حرب روسيا على شيشان غروزني، ولا في حرب إسرائيل على لبنان عام 2006. بين الأعوام 1992-1995 قتلت صربيا 32 ألفا من المدنيين في البوسنة، وبين الأعوام 1994 و2003، قتلت روسيا من المدنيين والمقاتلين الشيشان ما بين 150- 160 ألفا. وفي حرب إسرائيل على لبنان قتلت إسرائيل خلال 31 يوما 1191 لبنانيا.
هنالك قتل أعمى هدفه الانتقام والتهجير (أتحدث عن التهجير تاليا). الانتقام بسبب فشلهم الاستخباري والعسكري في حماية قواعدهم العسكرية وبلداتهم يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والانتقام جزء منه كما يبدو سببه التغطية على قيام إسرائيل نفسها بقتل مواطنيها في ذلك اليوم كما تشير إليه تقارير إسرائيلية مسربة من التحقيقات الداخلية.