العبور الطويل للأجانب ومزدوجي الجنسية من غزة إلى مصر

لا توجد أي إحصائية عن عددهم أو عن الأشخاص الذين يريدون المغادرة

 AFP
AFP
ضابط مصري يدقق في جواز سفر إمرأة أجنبية لدى وصولها إلى الجانب المصري من معبر رفح في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني

العبور الطويل للأجانب ومزدوجي الجنسية من غزة إلى مصر

في اليوم الخامس للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، اضطر أحمد فتحي للنزوج القسري هو وزوجته وأطفاله من منزل العائلة في حي الرمال، وسط مدينة غزة، إلى منزل أقارب لهم في حي الزيتون، جنوب شرقي المدينة، بعد أن تلقوا تحذيرا إسرائيليا للمغادرة خلال ساعات معدودة قبل قصف الحي.

فتحي (37 عاما) يحمل الجنسية العُمانية، وكان في زيارة لعائلته مع أسرته الصغيرة بعد سنوات من الغُربة عنهم، ولم يكن يتوقع أن يعيش أطفاله ظروفا قاهرة تحت القصف الإسرائيلي المُكثف، كما لم يكن يتوقع أن يكون منزل عائلته أو المنطقة التي يعيشون فيها منذ أكثر من 50 سنة، عُرضة للتدمير الكلي.

يقول لـ"المجلة": "كان أهلي يعتقدون أن منطقتهم أكثر الأماكن أمنا حتى وقت الحروب والأزمات، كونها قريبة من الحدود الغربية البحرية للقطاع، وبعيدة عن الحدود الشرقية مع الاحتلال الإسرائيلي". وكان فتحي قد ترك حاجيات أسرته في منزل العائلة باعتبار أنه سيتمكن من العودة بعد توقف القصف على حي الرمال، في حين أن زوجته أخذت معها فقط جوازات سفرهم وأوراقهم الثبوتية قبل أن يغادروا على عجل.

AP
فلسطينيون ينتظرون عند معبر رفح في 14 أكتوبر/تشرين الأول

بعد ليلة من القصف المُكثف والعنيف على الحي، عاد فتحي وشاهد منزل العائلة بكل محتوياته عبارة عن كومة من الركام المُبعثر بين رُكام المنازل المُجاورة. ويقول: "بالكاد تعرفت على مكان منزل عائلتي، ولم أتمكن من استخراج حقائبنا وملابسنا أنا وزوجتي وأطفالي، المهم لدينا جوازات السفر".

حاولت مصر إدخال شاحنات المساعدات، لكن إسرائيل قصفت الطريق الداخلي لمعبر رفح لمنعها من الدخول

في تلك اللحظة قرر فتحي التوجه إلى أقرب نقطة من معبر رفح البري، أقصى جنوب قطاع غزة، وهو الممر البري الوحيد الذي يربط أكثر من مليوني وثلاثمئة ألف غزّي مع العالم الخارجي عن طريق مصر. وكان هذا القرار تمهيدا لانتظار لحظة فتح المعبر والموافقة على سفر مزدوجي الجنسية والأجانب إلى بلدانهم، وذلك بعد مطالبة عدد من السفارات العربية والأجنبية بالسماح لمواطنيها بالمرور داخل القطاع.

خيبة أمل

وفي الانتظار مكث فتحي مع أسرته داخل مخيم لإيواء النازحين قسرا من شمال القطاع إلى جنوبه، وبالتحديد في مدينة رفح، وكان بعض الموجودين في المخيم من مزدوجي الجنسية، وبعضهم الآخر لا يحمل سوى الجنسية الفلسطينية؛ وبعد وصوله بأيام، أي في منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تلقى فتحي اتصالا من السفارة العمانية وطلب منه التوجه إلى معبر رفح للسفر. وفي اليوم التالي غادر مع أسرته المخيم معتقدا أن لحظة الفرج قد أتت، ولكن خيبة الأمل كانت بانتظاره.
قصد الكافتيريا الخارجية للمعبر ولم يجد مقعدا، مما اضطره لافتراش الأرض بعدما كان قد سبقه إليها العشرات من مختلف الجنسيات، وجميعهم تلقوا اتصالات مماثلة من سفارات بلادهم؛ من الولايات المتحدة الأميركية، بريطانيا، إيطاليا، فرنسا، روسيا، أوكرانيا، بولندا، الإمارات، مصر، وبلدان أخرى، كانوا جميعا أفرادا وعائلات ينتظرون فتح البوابات ولكن القرار المصري بفتح المعبر تأخر.

DPA
شاحنة مساعدات تعبر عائدة إلى مصر من الأراضي الفلسطينية عبر معبر رفح 15 في نوفمبر/تشرين الثاني

يقول وائل أبو محسن مسؤول الإعلام في الجانب الفلسطيني من معبر رفح: "لم يكن هناك قرار مصري بفتح المعبر وإدخال أي من الأفراد. كانت مصر تحاول فحسب إدخال شاحنات المساعدات الإغاثية، والتي كانت تصل إلى مطار العريش في سيناء، ولم يكن الاحتلال الإسرائيلي يسمح بإدخالها، حتى إنه قصف الطريق الداخلي للمعبر مرات عدة لمنع الشاحنات من الدخول، وبالتالي لم نتمكن من فتح المعبر للأفراد حتى من مزدوجي الجنسية والأجانب".
ويشير أبو محسن إلى أن الآلاف من مزدوجي الجنسية والأجانب موجودون في قطاع غزة، ولكن لا توجد أي إحصائيات دقيقة حول عددهم. ويقول: "كل سفارة تعلم عدد رعاياها الموجودين داخل فلسطين، لكن لا يوجد لدينا أي إحصائية عن عددهم أو عن الأشخاص الذين يريدون المغادرة والسفر على نحو عاجل بسبب الحرب على غزة".

ترسل مصر مساء كل يوم قوائم لإدارة الحدود والمعابر في غزة تشتمل على أسماء ما بين 500 إلى 700 مسافر

تبدلت حياة فتحي وأسرته من زيارة للعائلة لقضاء فترة الإجازة، إلى محاولات يومية للخروج من قطاع غزة. يتحضرون في الصباح هو وزوجته وطفلاه، يحملون أوراقهم، ثم يستقلون سيارة أجرة كان فتحي حجزها مسبقا بكلفة أعلى من الأيام العادية بسبب شح المحروقات وارتفاع أسعارها بعد قرار إسرائيل في اليوم الثالث للحرب منع إدخال المحروقات إلى القطاع، ليصلوا بعدها إلى المعبر وبالتحديد إلى البوابة الخارجية من الجهة الفلسطينية، وهناك ينتظرون تحت أشعة الشمس على أمل أن يتمكنوا من العبور، وفي المساء يفقدون الأمل ويعودون أدراجهم إلى مركز الإيواء أو إلى منازل أقارب وأصدقاء لهم جنوبي القطاع.
استمروا على هذه الحال لأكثر من 10 أيام، حتى وصل إلى هيئة المعابر والحدود في غزة أول قوائم السفر مساء 31 أكتوبر/تشرين الأول، ويشتمل الكشف على نحو 500 اسم للسفر في اليوم التالي، لكن في ذلك المساء، كان الجيش الإسرائيلي قد قطع الإنترنت عن قطاع غزة. وهو ما تسبب في إرباك المسافرين، فبعضهم كان قد فقد الأمل خلال الأيام الماضية من نشر كشف السفر ولم يعد يقصد المعبر، بل فضّل انتظار أي إعلان عن فتح المعبر، وبعضهم الآخر لم يتمكن من تأمين سيارة تنقله إلى المعبر بعد فقدان المحروقات وتخصيص الباقي منها لعمل المستشفيات وسيارات الإسعاف والدفاع المدني.

REUTERS
عنصر من الشرطة العسكرية المصرية أثناء زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لمعبر رفح في 20 أكتوبر/تشرين الأول

أسرة فتحي، كانت واحدة من الأسر التي فقدت الأمل وتقطعت بها السبل، حتى الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، حين علم فتحي صدفة من أحد النازحين في المخيم أن المعبر مفتوح لسفر الأجانب ومزدوجي الجنسية، وهو كان سمع الخبر على إحدى الفضائيات. يقول: "أمنت سيارة بمبلغ كبير، حملت أطفالي أنا وزوجتي وتوجهنا إلى المعبر، لكن اكتشفنا أنّ السفر مسموح فقط لمن ورد اسمه في القوائم، ولا اسم لنا فيها".
ولكن بعد سقوط المنع الإسرائيلي والأميركي بدأت مصر ترسل مساء كل يوم، ومنذ الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، قوائم لإدارة الحدود والمعابر في غزة تشتمل على أسماء ما بين 500 إلى 700 مسافر من حملة الجنسيات الأجنبية، بالإضافة إلى السماح بمرور جرحى ومصابين يحتاجون للسفر والعلاج في الخارج.

غادر أكثر من 5500 شخص من الأجانب والمصريين ومزدوجي الجنسية، فيما أرجعت السلطات المصرية نحو 120 آخرين

ويقول مسؤول الإعلام في المعبر: "مصر هي من ترسل الكشف اليومي للتنسيقات، ونحن نقوم بدورنا بنشره للراغبين والمسجلين للسفر عن طريق سفاراتهم، ثم نعمل على تسهيل خروجهم إلى الجانب المصري".
وكان العمل في معبر رفح قد توقف من قبل الجهات الفلسطينية ثلاث مرات خلال نحو ثلاثة أسابيع، وكان الهدف من منع خروج مزدوجي الجنسية الضغط على الجهات والدول كافة للسماح بخروج الجرحى والمصابين من مستشفيات شمال القطاع بعدما منع الجيش الإسرائيلي خروجهم، وتنسيق انتقالهم باتجاه جنوب القطاع ثمّ إلى معبر رفح فمصر.

عدم اكتراث إسرائيلي

ولم تكترث إسرائيل لخروج الجرحى والمصابين ومن هم بحاجة لتلقي العلاج أو إجراء عمليات جراحية عاجلة ودقيقة، ما اضطر هيئة الحدود والمعابر الفلسطينية للسماح مجددا بدخول الأجانب ومزدوجي الجنسية، والسماح لهم بالسفر بحسب القوائم المصرية التي تصلها.

 AFP
مسعفون مصريون ينقلون جريحا فلسطينيا إلى سيارة إسعاف على الجانب المصري من معبر رفح في 16 نوفمبر/تشرين الأول

وقد حالف الحظ فتحي وأسرته بورود أسمائهم في قوائم 16 نوفمبر/تشرين الثاني، فغادر القطاع مع أسرته الصغيرة تاركا خلفه عائلته، أمه وأشقاءه وأبناءهم. ويقول لـ"المجلة": "راح البيت وراحت أعمالهم... أتمنى أن لا يطولهم القصف وأن تنتهي الحرب قريبا حتى يتمكنوا من الخروج والبحث عن حياة آمنة".
وغادر -بحسب هيئة الحدود والمعابر في غزة- حتى 19 نوفمبر/تشرين الثاني، أكثر من 5500 شخص من الأجانب والمصريين ومزدوجي الجنسية، فيما أرجعت السلطات المصرية نحو 120 آخرين بعد وصولهم إلى الجانب المصري من معبر رفح، وذلك لعدم ورود أسمائهم في القوائم بينما وردت أسماء عائلاتهم. كما نشرت هيئة الحدود والمعابر في غزة تنبيها للمسافرين مفاده أن أي مسافر بالغ يحمل جواز سفر ولم يرد اسمه في القوائم المصرية سيتم إرجاعه حتى لو وردت أسماء بقية أسرته في تلك القوائم.

font change

مقالات ذات صلة