غزة: تجلس "أم حسن" على شاطئ البحر غرب مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، هي وجاراتها الجديدات، يغسلن ملابس أبنائهن المتسخة بمياه البحر، بعدما نزحوا من شرق مدينة غزة إلى مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) التي أصبحت ملجأهم جراء القصف الإسرائيلي المستمر بقذائف الدبابات على المنطقة المحيطة بمنازلهم.
بعد أسبوع من الحرب الإسرائيلية على القطاع، بدأ الجيش الإسرائيلي دعواته وتحذيراته التي وصلت حد التهديد والوعيد للغزيين، بمطالبتهم بالنزوح من النصف الشمالي لقطاع غزة، حيث يقطن في تلك المناطق والمدن أكثر من مليون و300 ألف فلسطيني، إلى النصف الجنوبي للقطاع، بحجة أنّ المنطقة الشمالية هي منطقة عسكرية يتحضر الجيش لاجتياحها بشكلٍ شامل.
نزح قسم من العائلات الغزية تحت الترهيب والتهديد، خوفا على حياتهم وحياة أطفالهم ونسائهم، بعد تجارب سابقة من الحروب الإسرائيلية، فقدوا خلالها منازلهم وبعضا من أفراد عائلاتهم وأقاربهم، متوقعين أن يطالهم ما هو أسوأ من المرات السابقة بعدما نفذت المقاومة الفلسطينية على رأسها "كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس"، عملية عسكرية برية وجوية اجتازت خلالها الحدود الشرقية للقطاع صباح السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول في عملية سمتها الحركة "طوفان الأقصى"، وأدت إلى أسر عشرات من الجنود الإسرائيليين وغيرهم واقتيادهم إلى قطاع غزة.
تقول المرأة الأربعينية "أم حسن" لـ"المجلة"، إنها اضطرت إلى النزوح مع زوجها وأطفالهما الستة بعدما انقطعت عنهم الكهرباء والماء، وتحت وقع استمرار إطلاق قذائف الدبابات عشوائيا على منازل قريبة منهم، مضيفة: "حاولنا البحث عن منطقة أكثر أمانا تتوفر فيها الكهرباء والمياه، وهي أبسط مقومات الحياة التي نحتاجها بشكل آني في حياتنا اليومية، خصوصا المياه".
استقرت العائلة في واحد من مراكز الإيواء التي تتبع "الأونروا" على الشارع المقابل للبحر غربي مدينة دير البلح. توافدت العائلات، وتزايدت أعدادهم يوما بعد يوم، مع اشتداد القصف الإسرائيلي، واستمرار التهديدات والتحذيرات المطالبة بإخلاء الجزء الشمالي، حيث كانت تتوفر المياه في تلك المراكز، على الرغم من إعلان الجيش الإسرائيلي قطع الكهرباء والمياه ومنع دخول البضائع والمحروقات للقطاع في اليوم الثالث للحرب على غزة.
"كنا نستحم، ونطبخ ونأكل، ونغسل الملابس" تقول "أم حسن". لكن مع استمرار قطع الكهرباء وشُح السولار والبنزين الذي يتم تخصيص ما تبقى منه في محطات الوقود لسيارات الإسعاف والدفاع المدني، ومولدات كهرباء المستشفيات، قُطعت المياه عن مراكز الإيواء، واعتمد النازحون على شرائها من أشخاص يبيعونها على عربات تجرها الحمير في الشوارع، لكن كيف سيتمكن المواطنون من توفير مبالغ نقدية في ظل توقف الأعمال؟
مع طول الفترة، واستمرار الحرب، وعدم تمكن سكان غزة من ممارسة أعمالهم وتوقف الدخل، خاصة من يعمل منهم بنظام المياومة، اضطر كثير منهم للبحث عن طرق أخرى لتسيير حياتهم ومتطلباتهم اليومية الأساسية، مثلما فعلت "أم حسن" وجاراتها اللواتي أصبحن ينزلن إلى شاطئ البحر يوميا مع بداية شروق الشمس، رفقة أطفالهنّ، توضح: "نصحو باكرا، نحمل أطفالنا وبعض الملابس والأواني، نتركهم يغسلون أجسادهم في مياه البحر، ويجلبون لنا بعض المياه التي نستخدمها في غسل الملابس المتسخة، وأدوات الطبخ".
تستطيع النساء من خلال تلك العملية، توفير المياه للاستحمام والغسيل وحتى تنظيف الأواني التي يستخدمن رمال الشاطئ في دعكها وفركها لخشونة ملمسها، وقدرتها على التنظيف، تقول سوسن الغرّة (39 عاما)، لـ"المجلة": "احنا مُجبرين مش مخيرين، كل ما نعمله ونحاول استخدامه أجبرنا الاحتلال عليه، مع منعه شريان الحياة عنا، حتى في المناطق التي قال عنها آمنة".