برلين: لم يسبق لأيٍّ منهم أن عرف أيّا من الآخرين أو التقاه. وحدها مصادفة عابرة ومفاجئة جمعتهم على رصيف محطة القطار في مدينة دورين الألمانية. والمصادفة ما كانت لتستوقفهم وتجمعهم - كسواها من ملايين المصادفات التي لا تستوقف البشر في حياتهم اليومية، فيسقطونها سريعا في الغفلة والصمت والنسيان - لولا كلمات عربية تبادلها شابان يصعدان الدّرجات الأخيرة من السلّم المؤدّي إلى رصيف تلك المحطة، حيث كان رجل خمسيني يجلس منشغلا بتجفيف حذائه المبلّل بمياه المطر، فسقطت كلماتُ الشابين العربية أليفة في سمعه، وحملته على الالتفات إليهما وتحيتهما، قائلا إنه من لبنان.
غَزّة على رصيف محطّة
قال الشابان أنهما سوريّان أخوان من حلب. وفجأة انضم إلى الثلاثة شاب في العقد الرابع من عمره، مثل الأخوين السوريين، وقال إنه ليبي. أما المرأة الأربعينية التي تقف قربه فقالت إنها سودانية. وأنا من لفتني لقاؤهم، اقتربت منهم قائلا إنني من لبنان.
لم يذكر أيّ منهم اسمه. كأنما المناسبة والمكان والبلاد البعيدة التي غادروها، ولا تزال شؤونها وشجونها ولغتها ومصائرها المأسوية حية راعفة في صدورهم وكلماتهم، تكفي وحدها للتعريف بهم ولتبادلهم الكلام. والكلام سرعان ما دار بينهم عن غزّة وما يحدث فيها من مجازر ومآسٍ. وتكلموا كذلك عن التظاهرات في أوروبا وألمانيا، تضامنا مع الفلسطينيين، وشجبا للحرب والمجازر التي يرتكبها بهم الجيش الإسرائيلي.