اعتدنا، في العالم العربي، أن ننتظر هذا اليوم (16 نوفمبر/ تشرين الثاني) الذي يخلد فيه العالم الذكرى السنوية للفلسفة، كي نتحسر على المكانة غير المقنعة التي تتبوأها الفلسفة عندنا، وعن المعوّقات التي تقف دون ازدهارها، والآفاق التي ينبغي أن تُفتح لها. غير أن ما لفت انتباهي هذه السنة، وفي خضم الأحداث التي يعيشها العالم هذه الأيام، لا بوادر ما أخذت الفلسفة تعرفه من انفتاح في عالمنا العربي، بل ما صارت الفلسفة تلاقيه حتى في العالم الغربي. وفي هذا الصدد أثارني ما تعرّض له الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجك عند إلقائه محاضرة افتتاح معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، باعتبار أن بلده هو البلد الذي يستضيفه المعرض هذه السنة.
كان طبيعيا أن يتناول فيلسوف بهذا الحجم يلقي محاضرة في أحد أكبر المعارض الدولية، ما يعرفه العالم اليوم من أحداث لن تقتصر نتائجها ربما على محيطها المحلي، بل ربما ستمتد إلى تحديد العلاقة بين الشرق والغرب، وإلى فضح أسس الديمقراطيات الغربية، وإعادة النظر في القيم التي طالما كرستها خطابات تمتد أصولها إلى عصور سابقة. لذا بعد أن قال: "إنني أشعر بنوع من الخجل لوجودي هنا"، تناول الحرب الدائرة في غزة، فانتقد ما سماه "حظر التحليل"، وذكّر بأن الهجمات الإسرائيلية "وضعت ملايين الفلسطينيين في وضع مستحيل"، وبأن على الغربيين "الاستماع إليهم، والنظر في خلفياتهم إذا أراد الغرب فهم الصراع".
أثارت كلمة هذا الفيلسوف، الذي يمكن أن نقول إنه من أهم الأسماء التي غدت نادرة، شرقا وغربا، أثارت الغضب لدى البعض، مما أدى إلى مقاطعتها عدة مرات، وانسحاب البعض. بل إن مفوض معاداة السامية في ولاية هيسن، أوي بيكر، لم يخف امتعاضه، فتجرأ على اعتلاء المنصة لمجادلة المحاضر، ثم انصرف خارج القاعة.