يتداول العرب قولا مأثورا عن السلف، يقول: "اللهم اكفني شر أصدقائي، أما أعدائي فأنا كفيل بهم". ويبدو أن محمد الحلبوسي لم يكن يتوقع أن يأتي قرار إنهاء عضويته من مجلس النواب، ومن ثم الحكم، بقرار يأتي من المحكمة الاتحادية بإنهاء وجوده في منصب رئيس مجلس النواب. على اعتبار أنه يمثل الشخص الأول في السلطة التشريعية التي تتعاون مع السلطة القضائية. وكان أكثر ما يشغله هو خصومه في التنافس الانتخابي لمجلس المحافظات، وأعداؤه داخل البرلمان وخارجه.
ولكن بقرار لا يقبل الطعن ولا التمييز، أنهت المحكمة الاتحادية العليا عضوية محمد الحلبوسي من مجلس النواب، لتتم تنحيته من رئاسة المجلس. وبذلك انتهت حظوظ الحلبوسي في الصعود مرة أخرى إلى حلبة التنافس السياسي. والنقاش في الحيثيات والتفسيرات القانونية لصحة قرار المحكمة الاتحادية العليا، مضيعة للوقت لا أكثر ولا أقل. فقرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة، بنص المادة 94 من الدستور العراقي.
كان صعود محمد الحلبوسي سريعا وخاطفا للأنظار، من نائب في البرلمان إلى محافظ لمحافظة الأنبار، ليصل إلى رئاسة مجلس النواب. وهو أول رئيس للمجلس احتفظ بالمنصب لولايتين. ونجح في فرض شخصيته كزعيم سياسي عراقي، ويكون السياسي الأبرز والأقوى في حلبة الصراع على الزعامة السياسية في المناطق السنية، وكان يسعى إلى الاستفراد بعنوان "الزعيم السياسي السني الأوحد".
نجح الحلبوسي نجاحا باهرا في انتخابات 2021، إذ احتل المرتبة الثانية، بعد صدارة الكتلة الصدرية، من حيث عدد المقاعد البرلمانية، بحصوله على 37 مقعدا. وهو عدد لم تتمكن من الوصول إليه أي قائمة سياسية سنية تحت لواء قائد سياسي؛ فجبهة التوافق التي شاركت في أول انتخابات في العراق بعد 2005، كانت تجمع أكثر من تكتل سياسي يتزعمهم الحزب الإسلامي العراقي، الذي تضاءل دوره في العملية السياسية، ولم يعد له حضور سياسي فاعل ومؤثر.
النموذج السياسي الذي تميز به الحلبوسي، ارتكز على قاعدتين، الأولى: استثماره في المنجز الخدمي الذي حققه كمحافظ في الأنبار بعد انتهاء العمليات القتالية ضد تنظيم داعش. والثانية: منصبه كرئيس لمجلس النواب، وهذا المنصب من حصة المكون السني. وهو أول سياسي سني نجح في تمركز نفوذه السياسي من خلال إدارة هذا المنصب وفرض شخصيته السياسية على الشركاء السياسيين. ولذلك، بات الحلبوسي يثير مخاوف الشركاء والحلفاء على حد سواء، ومن ثم زيادة الأعداء.