قصفت طائرة مسيّرة مدينة إيلات، جنوبي إسرائيل، يوم 10 نوفمبر/تشرين الثاني، وفق الأنباء الواردة من سوريا. ويُعد هذا الحادث خروجا عن الهجمات السابقة على الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل، والتي عادة ما كانت تتضمن قصفا بقذائف الهاون تقتصر على المناطق غير المأهولة بالسكان.
وعلى العكس مما كان يحدث سابقا، استطاعت هذه المسيرة الوصول إلى مدرسة تبعد أكثر من 400 كيلومتر عن أقرب نقطة على الأراضي السورية.
وفضلا عن المدى البعيد الذي وصلت إليه تلك المسيرة، فإن قدرتها على الطيران من دون أن تُكتشف، وكذلك نجاحها في ضرب هدفها يشيران إلى تورط مشغّلٍ حسنِ التدريب. والرسالة التي حملها هذا الهجوم معه جديرة بالملاحظة بالقدر نفسه، إذ إنها تُظهر قدرة المجموعة المسؤولة، والتي تعمل من سوريا على استهداف أي موقع تريده في إسرائيل. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: من هي الجهة المسؤولة عن الهجوم، وكيف تمكنت من الوصول إلى هدفها من دون إطلاق صافرات الإنذار؟
في الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة 11 نوفمبر/تشرين الثاني، قال الجيش الإسرائيلي إن مسيّرة اصطدمت بمدرسة في مدينة إيلات الساحلية في أقصى جنوب إسرائيل. وكان 37 طالبا موجودين، لحظة وقوع الحادث، في قبو المدرسة. ولم يُبلغ عن وقوع إصابات خطيرة، لكن أُصيب شخص نتيجة استنشاق الدخان الناجم عن الانفجار، ونُقل خمسة آخرين للعلاج بسبب القلق الذي انتابهم.
وردا على الحادثة، أصدر الجيش الإسرائيلي بيانا أكد فيه أنه استهدف التنظيمَ المسؤول عن إطلاق المسيرة والذي يعمل في سوريا، دون أن يبين التفاصيل المتعلقة بهوية المهاجمين أو طبيعة الهدف المحدد الذي قصفته القوات الجوية الإسرائيلية.
وأشارت التقارير الأولية إلى احتمال أن تكون المسيرة قادمة من اليمن، ولكن المحللين الذين فحصوا شظايا المسيرة في صور الهجوم التي التُقطت أشاروا إلى أنها على الأرجح من طراز "شاهد-101" إيرانية الصنع، أو ربما نموذج مماثل لها. ويصل مدى مسيرة "شاهد-101" إلى 700 كيلومتر. وبالتالي، نظرا إلى طول المسافة التي تفصل الحدود اليمنية عن ميناء إيلات (حوالي 2000 كيلومتر)، فإن المسيرة لا بد أن تكون قد انطلقت من موقع أقرب إلى إسرائيل. وعلى الرغم من ذلك، ما زالت هناك نظريتان رئيستان في ما يتعلق بموقع إطلاق المسيرة والمجموعة التي تديرها.
والافتراض السائد الذي يعتمده الجيش الإسرائيلي على ما يبدو أن المسيرة انطلقت على الأرجح من جنوب سوريا، ويعتقد كثير ممن يؤمنون بهذا الاحتمال أيضا بتورط "حزب الله" المحتمل في هجوم المسيرة، وما قد يؤيد مثل هذه التكهنات إعلان "حزب الله" عن مقتل سبعة مقاتلين في اليوم ذاته الذي حدث فيه هجوم المسيرة، من دون كشف مكان مقتلهم.
ربما تُراود اسرائيل شكوكا حول تورط "حزب الله" على نحو مباشر في هجوم الطائرات دون طيار، نظرا للنفوذ الكبير الذي يتمتع به في جنوب سوريا
ولدى التعمق في الأمر، يبرز زعم مصادر محلية في سوريا أن الخسائر التي تكبدها "حزب الله" كانت، إلى حدٍّ بعيد إن أمكن قول هذا، نتيجة للغارة الجوية الإسرائيلية التي استهدفت على وجه الدقة مواقع "حزب الله" في مدينة حمص السورية. ومن الجدير بالذكر أن هذا الحادث يبرز باعتباره متسببا بأكبر عدد من القتلى بين أعضاء "حزب الله" في يوم واحد منذ بداية مواجهات "الحزب" مع إسرائيل، والتي بدأت في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول.
وإذا ثبتت دقة هذه التقارير، فإنها تعني أن إسرائيل ربما تُراودها شكوك حول تورط "حزب الله" على نحو مباشر في هجوم الطائرات دون طيار، نظرا للنفوذ الكبير الذي يتمتع به في جنوب سوريا. إن عدم اعتراف أي من الطرفين بما حدث قد ينبع من المصلحة المشتركة لديهما في منع المزيد من التصعيد.
النظرية الثانية التي يؤكدها بعض المحللين الإسرائيليين تقول إن هجوم المسيرة قد انطلق من شمال شرقي سوريا، وهم يرون أن المسافة البعيدة التي تفصل هذه المنطقة عن الخطوط الأمامية مع إسرائيل تجعل منها نقطة انطلاق أكثر استراتيجية للمسيرات مقارنة بالجزء الجنوبي من سوريا، الذي يخضع لمراقبة إسرائيلية دقيقة. وقد أشار هؤلاء المحللون، على وجه التحديد، إلى احتمال تورط لواء الإمام الحسين المدعوم من إيران والذي أُسس في سوريا عام 2016 باعتباره المجموعة المسؤولة عن شن الهجوم.
وبغض النظر عن الرواية التي تصور بدقة تفاصيل هجوم 10 نوفمبر/تشرين الثاني، فإن كلتا الروايتين تشيران إلى احتمال شن هجمات بمسيرات من أي من الموقعين. ولا تكمن التفاصيل الحاسمة في نقطة إطلاق المسيرة، بل في مسارها. وتؤكد التقارير كافة أن المسيرة اقتربت من إيلات من جهة الأردن، وقطعت مئات الكيلومترات عبر مجاله الجوي.
ويأتي اختيار الأردن كطريق عبور للمسيرة لأن إسرائيل تعتبر حدودها معه منطقة ذات مخاطر منخفضة. ومن ثم، تقوم تل أبيب بتوجيه أجهزة الاستشعار والرادارات وطائرات الدورية الخاصة بها إلى المناطق التي يعتبر فيها خطر الهجمات أعلى، كجنوب سوريا. وتضيف التضاريس الوعرة الممتدة على طول الحدود بين الأردن وإيلات مزيدا من التعقيد في كشف المسيرات، وتوفر غطاء للأجهزة التي تقترب من مسافة بعيدة على ارتفاعات منخفضة.
التحديات التقنية، والانخراط العسكري الإسرائيلي على جبهات مختلفة، وقدرة الجماعات المدعومة من إيران على نشر طائرات دون طيار، متعددة وأكثر تقدما، تقلل من احتمال قيام إسرائيل بتحييد التهديدات التي تشكلها هذه المسيرات تماما
وعلاوة على ذلك، فإن ميزات المسيرة سهلت طيرانها الخفي إلى الهدف دون إطلاق صافرات الإنذار. فسرعتها البطيئة، وقدرتها على الطيران على ارتفاعات منخفضة، وانحرافها عن المسار المستقيم القابل للبرمجة، وحجمها الصغير كلها عوامل تساهم في قدرتها على المراوغة، وهو الأمر الذي يطرح مزيدا من التحديات لاكتشافها عن طريق أنظمة الرادار، ولا سيما أن أنظمة الرادار ليست جميعها محسنة لتحديد مسيرات كهذه.
وفي ظل العقبات التي تواجهها مفاوضات وقف إطلاق النار، واستمرار العمليات البرية في غزة، من غير المرجح أن يكون الهجوم الجديد بمسيرة هو الأخير. وتحسبا لذلك، من المرجح أن يقوم الجيش الإسرائيلي بتعزيز الإجراءات الأمنية على طول الحدود الأردنية لتجنب أي مفاجآت مستقبلية. ومع ذلك، فإن التحديات التقنية التي ذكرناها آنفا، والانخراط العسكري الإسرائيلي على جبهات مختلفة، وقدرة الجماعات المدعومة من إيران على نشر طائرات دون طيار متعددة وأكثر تقدما، تقلل من احتمال قيام إسرائيل بتحييد التهديدات التي تشكلها هذه المسيرات تماما.
ولذلك، فإن الحل الدبلوماسي للوضع في غزة هو الوسيلة الوحيدة المضمونة لمنع المزيد من التصعيد ضد إسرائيل، على الصعيدين الداخلي والإقليمي.