تراجع هجرة العمال الى روسيا بعد غزوها لأوكرانيا؟

وقُدِّرت الأرقام الرسمية لتلك الفترة بـ 1.3 مليون عامل مهاجر، ارتفاعاً من 841 ألفاً و501 في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2022. وجاء ما يقرب من نصف هؤلاء المهاجرين من أوزبكستان، إضافة إلى نحو 350 ألف شخص من طاجيكستان. كذلك جاءت أعداد كبيرة من هؤلاء المهاجرين من قيرغيزستان (172 ألفاً و591) وأرمينيا (47 ألفاً و337) وكازاخستان (34 ألفاً و783).

ربما كان مسؤولو الدولة سعداء بالإبلاغ عن هذه الزيادة في العدد لأن عام 2022 كان العام الذي شهد وصول أقل عدد من العاملين المهاجرين في التاريخ الحديث، إذا استُثنِيت عواقب جائحة "كوفيد-19" من المعادلة. فقد انخفض عدد العاملين المهاجرين بنسبة 15 في المئة مقارنة بعام 2019، ربما بسبب عدم اليقين الذي أعقب الغزو الروسي لأوكرانيا. كذلك تجاوزت نتائج الربع الأول من عام 2023 الرقم المقابل لعام 2019، الذي سجل نحو 1.16 مليون.

مع ذلك، هناك بعض الحدود للقصة التي يمكن أن تعكسها هذه البيانات. أولاً، هذه مجرد أرقام رسمية، بناء على بيانات مثل تصاريح العمل القانونية الصادرة. يقول نيكولاي كورديوموف، رئيس لجنة هجرة اليد العاملة التابعة لمجلس غرفة التجارة والصناعة الروسية للنشاط الاقتصادي الأجنبي، لـ"الإزفستيا" إنه يقدر رسمياً أن هؤلاء المهاجرين يشكلون خمسة في المئة من إجمالي سوق العمل في البلاد، لكن الرقم الحقيقي ربما يكون أعلى بكثير. مع ذلك، يعتبر أن هؤلاء المهاجرين قد لا يملأون دائماً الفجوات الأكثر إلحاحاً في الاقتصاد الروسي. "هم يشغلون ثلاث أو أربع فئات من الوظائف – على النحو الموصى به من قبل مواطنيهم العاملين في روسيا – حتى يتمكنوا من جني أكبر قدر من المال. لكن هذا يعني في كثير من الأحيان أنهم لا يعملون في النهاية حيث تشتد الحاجة إليهم".

في شكل عام، تبدو وزارة العمل إيجابية للغاية في توقعاتها لسوق العمل في البلاد، إذ ترجح وجود أكثر من 560 ألف وظيفة جديدة رفيعة المستوى في الصناعة، وأكثر من 400 ألف وظيفة في قطاع تكنولوجيا المعلومات في حلول عام 2030. ويعتبر ألكسندر سافونوف، نائب رئيس جامعة التمويل، أن هذه التوقعات متفائلة للغاية، موضحا هذه الوظائف، في ضوء هجرة العمالة من المصادر التقليدية – بلدان الاتحاد السوفياتي السابق، ولا سيما تلك الواقعة في آسيا الوسطى – لن تكون جذابة للعمالة المهاجرة. مضيفا أن هؤلاء المهاجرين لديهم الآن خيارات أكثر من ذي قبل. "مثلاً، تُعرَض على الأشخاص في أوزبكستان الآن عقود عمل كعاملين مهاجرين في دول مثل المملكة المتحدة وألمانيا وتركيا ودولة الإمارات العربية المتحدة والصين وكوريا الجنوبية. وستزداد المنافسة على الموظفين في آسيا الوسطى".

عدم اليقين في شأن الروبل

لا تزال قيمة الروبل مصدر قلق كبير للعاملين المهاجرين في روسيا. ذكرت "ميدوزا" نهاية الصيف أن سعر صرف الروبل في مقابل السوم القرغيزستاني انخفض منذ بداية عام 2023 بنسبة 22 في المئة؛ وأمام السوم الأوزبكستاني بنسبة 18 في المئة؛ وإزاء كل من الدرام الأرميني والتينغ الكازاخستاني بنسبة 25 في المئة.

في العودة إلى ميتس مانتاش، يقول فيكتور تشاخويان – وهو مقيم كان يكسب المال بانتظام كعامل مهاجر في روسيا لأكثر من 20 سنة – إن هذا يعني أن المال لا يستحق هذا العناء كله. "يجب أن يكون هناك مبرر للذهاب. الـ50 ألف روبل تساوي الآن نحو 200 ألف درام أرميني. لا يمكن للمرء إعالة عائلته بمبلغ شهري من هذا النوع، فهذا لا يكفي للبقاء على قيد الحياة. ولا سيما إذا كان لديه ابن أو ابنة يدرس أو تدرس في المدينة؛ ارتفعت إيجارات الشقق هناك إلى ما بين 300 ألف و400 ألف درام أرميني. كيف يمكن أن يكفي هذا المال لدفع الإيجار وتوفير الطعام وتغطية تكاليف النقل والملابس؟".

وتقول ريتا لوجينوفا، وهي مراسلة لـ"فيرستكا"، في مقابلة مع الخدمة الروسية لـ"هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي): "الأموال التي يرسلونها [المغتربون] إلى الوطن أقل بكثير الآن، إلى حد يمكنهم معه بالفعل البقاء في الوطن وكسب المبلغ نفسه تقريباً. أو يجد المهاجرون من آسيا الوسطى الآن عملاً في أوروبا وتركيا وكوريا الجنوبية ومواقع أخرى. في البداية بعد الحرب، انخفض سعر الصرف، لكن بعد ذلك أصبح مستقراً وأكثر قابلية للتوقع. لقد تغير هذا الآن". كذلك ذُكِرت كراهية الأجانب الموجودة في روسيا كسبب آخر يدفع العاملين المهاجرين بعيداً، أو على الأقل يجعلهم أقل استعداداً للعمل عندما يضعف عامل المال.

التهديد المباشر بالحرب

ثمة خطر أكبر يواجه العاملين المهاجرين في روسيا من مجرد خطر كسب أموال أقل. تحذر الناشطة في مجال حقوق الإنسان فالنتينا تشوبيك، منذ عام 2022، من أن روسيا تجند هؤلاء الرجال بنشاط للقتال في الجيش، مشيرة إلى طرق عدة يحدث فيها ذلك. "النهج الأول هو خداعهم. يخضع هؤلاء الأشخاص لفحص طبي وبصمات الأصابع كجزء من عملية تصريح العمل الخاصة بهم. ويُعطَون مجموعة من المستندات ويُطلَب منهم توقيعها بسرعة. وتتضمن المجموعة عقداً في شأن الخدمة العسكرية التطوعية، مطبوعاً بحروف صغيرة وبلغة غير واضحة. يوقعه الناس من دون قراءة، وينتهي بهم الأمر بإعطاء موافقتهم. النهج الثاني هو تخويف بعضهم والقول إن وثائقهم ليست في محلها. وهم مهددون بالترحيل ما لم يُوقعّوا بسرعة على وثائق معينة، لا يقرأونها هذه المرة أيضاً. النهج الثالث هو استخدام العنف الجسدي أو النفسي لإكراههم على الأمر". طُرِدت تشوبيك من روسيا بسبب عملها لكنها تواصل دعم العاملين المهاجرين الآتين من الخارج.

تشير ريتا لوجينوفا إلى أن الشرطة تؤدي دوراً رئيساً في هذه العملية. في الماضي، كانت مداهمات الشرطة للأحياء التي تضم العديد من العاملين المهاجرين تهدف إلى التعرف الى المهاجرين غير الشرعيين، الذين سيجري تغريمهم أو ترحيلهم. الآن، تهدف غارات الشرطة هذه إلى العثور على العاملين المهاجرين الذين حصلوا على الجنسية الروسية أخيراً، حتى يمكن إرسالهم للقتال في الحرب على أوكرانيا". وتقول لوجينوفا إن بعض العاملين المهاجرين من آسيا الوسطى يفضلون التقدم بطلب للحصول على الجنسية الروسية من خلال إجراء مبسط، بدلاً من الحصول على تصريح عمل رسمي، الأكثر تكلفة. تلفت تشوبيك الى أن من الواضح أن أياً من هذا لن يُعلَن رسمياً، "فلا بيانات إحصائية حوله ولن تتوفر أبداً. لا تتوقعوا أي بيانات من هذا القبيل ولا تطلبوا من أي شخص الحصول عليها لأنها مخفية".

في العودة إلى ميتس مانتاش في أرمينيا، لا تزال الحرب في أوكرانيا تلوح في أفق النقاش حول هجرة العمالة في روسيا. في وقت سابق من هذا السنة، غادر أرمان البالغ من العمر 41 سنة قريته للعثور على عمل في روسيا، لكن الأمر انتهى به يقاتل من أجل روسيا في أوكرانيا، والموت هناك. يروي فاغارشاك سوكويان: "كان يعمل في أورينبورغ، لكنه التحق كجندي متطوع، ونُقِل للقتال في الحرب في 2 يناير/كانون الثاني"، مضيفا أن أرمان قُتِل بعد يومين فقط. ولم يستطع أحد في القرية أن يفسر لماذا قرر مواطنهم القتال في الحرب.