"النظام الغذائي" مقولة أساسية تسمح لنا بالتفكير في السلوك البشري بصفة عامة، وفي حياتنا الفكرية على وجه الخصوص. إنه "فن للعيش". كتب ميشالفوكو: "إن ممارسة النظام الغذائي كفنّ للعيش هو كيفية بناء الفرد كذات تولي جسدها العناية اللازمة والكافية".
لا ننوي عرض كل الفلسفات التي طرقت هذا الموضوع ابتداء من الأبيقوريين أو الكلبيين، بل سنكتفي بالتطرّق الى نموذجين يبدو لنا أنهما من التعارض بحيث يبرزان العلاقة الفعلية التي تربط البطون بالعقول.
نستقي هذين النموذجين من بين الفلاسفة الألمان، وهما الفيلسوفان إيمانويل كانط، وفريديريك نيتشه. نبدأ بكانط، الفيلسوف الذي اشتهر بالصرامة الأخلاقية، والضبط والورع، والذي كان، على الرغم من ذلك، شديد العناية بما يأكله ويشربه، شديد الحرص على طقوس في عينها في تناول غذائه، وعلى إيلاء أكبر العناية للمطبخ، كما سينصح نيتشه في ما بعد، إلى حدّ أن أحد معارفه كان يمازحه بالقول: "من غير أدنى شك، ستكتب عاجلا أم آجلا، كتابا في نقد المطبخ"، قاصدا بذلك أن فيلسوف كونيكسبرغ، من فرط عنايته ببطنه، فربما أضاف جزءا رابعا الى ثلاثيته النقدية خاصا بمسألة التغذية. بالفعل، فقد كتب أحد الذين اعتنوا بسيرة حياته: "ربما لم يول أحد العناية نفسها لجسده ولكل ما يخصّه، بمثل ما فعل كانط".