أعادت هوليوود، في خطوة كبرى، الممثل الأيقوني هاريسون فورد، البالغ من العمر 81 عاما، إلى شبابه، عبر تقنية الذكاء الاصطناعي. العودة كانت بجزء خامس من سلسلة الأفلام الشهيرة "إنديانا جونز"،بعنوان جديد "إنديانا جونز وقرص القدر"، إلا أن الفيلم الجديد لا يحمل توقيع مخرج الأجزاء الأربعة السابقة ستيفن سبيلبرغ، بل يحمل توقيع المخرج جيمس مانغولد الذي يعمل تحت مظلة سبيلبرغ الأسلوبية.
في تصريحات صحافية لهاريسون فورد،قلل خطر الذكاء الاصطناعي، وقال حرفيا "إن تقنيات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في ’إنديانا جونز وقرص القدر’،لتصغير عمر الشخصية،لم تكن على حساب الأحداث الحية"،ثم قال إنه لا يريد أن يكون أصغر سنا، وكل ما يريده هو رواية قصة إنديانا جونز بالطريقة التي اعتدنا أن نراه بها.
اعتبر البعض كلمات هاريسون فورد، دفاعا ملتويا عن الذكاء الاصطناعي، لأنه وبشكل متناقض، ومن باب جبر خواطر العاملين المنزعجين في مجال صناعة السينما، ذكر أن ما يخيفه في الذكاء الاصطناعي، هو فقط عندما يتظاهر بالإبداع، وكأنّ فورد لا يخيفه أن يكون الذكاء الاصطناعي في طريقه التدريجي، وسيصل عاجلا أم آجلا، إلى طمس الإبداع الإنساني نهائيا.
من النازية إلى الحرب الباردة
تبدأ أحداث "إنديانا جونز وقرص القدر" عام 1944. أدولف هتلر على وشك الهزيمة، وضباطه يجمعون بشكل هستيري التحف والأنتيكات. يقبض النازيون على عالِم الآثار،والمُغامِر إنديانا جونز،وهو متنكر في زي ضابط ألماني، ويقبضون أيضا على صديقه مراقب الطيور والأركيولوجي الممثل توبي جونز في دور بازل شو. مراقبةالطيور هواية رفيعة، رقيقة، وراقية، وهي غريبة على لسان الضابط الألماني، وهو يستجوب بازل شو، الضئيل الجسم، تمهيدا لقتله. مراقبة الطيور في كفة، ووحشية النازية في كفة أخرى.
اعتبر البعض كلمات هاريسون فورد، دفاعا ملتويا عن الذكاء الاصطناعي، لأنه وبشكل متناقض، ومن باب جبر خواطر العاملين المنزعجين في مجال صناعة السينما، ذكر أن ما يخيفه في الذكاء الاصطناعي، هو فقط عندما يتظاهر بالإبداع
يصارع هاريسون فورد بوجهه المشدود رقميا،الضابط النازي، على سطح قطار ينطلق بسرعته القصوى. ولا يحرم المخرج مُشاهِده من وجود نفق يمر تحته القطار، فتزداد صعوبة صراع "إندي" مع الضابط الألماني. يبقى فورد طوال الـ 25 دقيقة الأولى من زمن الفيلم، بوجهه الشاب، وباقي أحداث الفيلم تجري في عام 1969، بوجهه الحقيقي، وقد نالت منه الشيخوخة.
يقول إنديانا جونز لأحد الأبطال في فيلم "غزاة السفينة المفقودة" 1981، الجزء الأول من السلسلة: نحن ببساطة نمر عبر التاريخ، تابوت العهد القديم قد يكون مجرد قطعة أثرية ثمينة، مَنْ يعلم؟ هذا هو التاريخ. البشر يموتون، الحضارات تموت، لكن القطع الأثرية باقية. وفي فيلم "إنديانا جونز وقرص القدر" 2023، ينقذ إندي وصديقه بازل من أيدي النازيين 1944، نصف قرص أرخميدس الرياضي، والفلكي اليوناني المولود في 212 قبل الميلاد، والنصف الآخر من القرص فُقِدَ في نهر عند جبال الألب الفرنسية.
المفروض أن القرص الكامل، اختراع أرخميدس، واسمه "أنتيكيثيرا"، وهو من تروس نحاسية تشبه تروس الساعة، يتنبأ بالاضطرابات التي تنشأ عن دوران الكواكب، والاختلافات في انتظام المد والجزر، والتغيرات في درجات الحرارة، إلا أن عالِم الآثار بازل شو صديق إندي، ذهب في جنونه قبل موته، أبعد من ذلك، واعتقد أن قرص "أنتيكيثيرا"، يكشف لمن يستخدمه استخداما رياضيا صحيحا، اضطرابات الزمن وتصدعاته.
السفر في الزمن
اضطرابات الزمن وتصدعاته تعني لهوليوود ولسبيلبرغ ولجيمس مانغولد ولروبرت زيميكس في سلسلة أفلامه الشهيرة "العودة إلى المستقبل"،السفر في الزمن، عبر عربة، أو آلة زمن، أو ثقب دودي. المهم أنها عودة مرة أخرى إلى الماضي، كما عاد هاريسون فورد، وهو في الثمانين من عمره، إلى منتصف عمره، ليؤدي دور شخصية عالِم الآثار المُغامِر إنديانا جونز،للمرة الخامسة،والأخيرة، نهاية خدمة، كما أعلن فورد بعد عرض الفيلم. يمكن التعبير عن المرة الخامسة، بالقط الذي التفّ حول نفسه ليقضم ذيله.
الزمن الذي تبدأ فيه الأحداث الراهنة للفيلم هو 1969، زمن هبوط رائد الفضاء الأميركي نيل أرمسترونغ على سطح القمر، والتظاهرات ضد حرب فيتنام، والدكتور إنديانا جونز عجوز محطم، ينام أمام تلفزيون في شقة متواضعة، وفي يده كوب فارغ، وجواربه منشورة على الشرفة، وفي محاضراته يهتم بخطوط آنية آشورية قديمة، واختراعات أرخميدس، والطلبة يستمعون إليه بفتور. يحتاج إنديانا جونز إلى دفعة روحية جديدة، يحتاج إلى روح شابة.
إثارة دماء المغامرة في عروق "إندي" العجوز تأتي من ابنة صديقه المتوفي بازل شو، الكاتبة والممثلة فيبي والر بريدج في دور هيلينا شو.يعتبرها إندي ابنته الروحية، وهو لم يرها منذ سنوات طويلة، وهي مجنونة مثل والدها بآلة الزمن "أنتيكيثيرا"، وهي أيضا على استعداد لتوريط "إندي" في المغامرة من جديد، بينما هو يقاوم في الظاهر خطورة المغامرة، بسبب سنه، لكنه في الحقيقة يحلم بلوازم المغامرة المكررة في سلسلة أفلام إنديانا جونز، قبعته، وكرباجه الجلدي المشوب بأثر كولونيالي خفيف،وكراهيته المرحة للثعابين التي لا تعيقه عن أداء مهمته، وحقيبة كتفه القماشية.
هيلينا تقول لإنديانا جونز إن غوّاصين عثروا في عام 1902 على سفينة رومانية محطمة قبالة السواحل اليونانية، وتحت السفينة وجدوا ساعة غامضة تعمل بدقة،لهدف مجهول منذ ألف عام. والد هيلينا، بازل شو، أخبرها بأنه وجد هو و"إندي" في قطار نازي عام 1944 ساعة الزمن "أنتيكيثيرا"، وبعدها فقدا نصف قرص الزمن في نهر عند جبال الألب الفرنسية.
في الوقت نفسه يراقب الممثل مادس ميكلسن في دور عالِم الصواريخ النازي، بالتعاون مع حكومة أميركية ساذجة، إنديانا جونز،للحصول على قرص "أنتيكيثيرا". فولر النازي المجنون، يعتقد أنه بآلة الزمن، يستطيع العودة إلى بداية الأربعينات، ليقتل هتلر قبل هزيمته، ويتولى هو أمور النصر النازي، وكأنّ هتلر لم يكن نازيا بالقدر الكافي، وكان هذا سبب خسارته، وعودة فولر هي تعديل للتاريخ.
بذل الفيلم جهدا مضنيا للجمع بين أجناس سينمائية عدة في حكاية واحدة، ولم ينجح تماما في ذلك، على الأقل ليس بقدر نجاح الذكاء الاصطناعي في إعادة هاريسون فورد إلى شبابه
لقاء "إندي" وأرخميدس
اعتاد مشاهدو سلسلة أفلام "إنديانا جونز" على أن "إندي" يرحل سريعا من الزمان والمكان الأميركيين إلى الزمان والمكان الشرقيين، حيث المغامرة تكون أكثر إثارة، طالما أن الشرق حظه أوفر من الغرب في الآثار والأنتيكات، والحضارات القديمة، وهذه قاعدة أسلوبية أسسها ستيفن سبيلبرغ، ويسير عليها جيمس مانغولد مخرج الجزء الخامس من السلسلة، بخسائر قليلة.
خسائر جيمس مانغولد الفنية، هي أنه قبل نقل المغامرة إلى مراكش، اضطر إلى تصوير مطاردة ضعيفة بين "إندي" ورجال فولر النازي وعملاء الحكومة الأميركية الذين يعتقدون أن أي شيء، حتى لو كان آلة زمن، ربما يتعلق بالروس. "إندي" على صهوة حصان ينزل به محطة مترو الأنفاق، بينما الشوارع تغص بتظاهرات مناهضة لحرب فيتنام، واحتفالات صعود القمر، واستعدادات الشرطة للحدثين.
من الممكن اعتبار سذاجة عملاء الحكومة الأميركية، ضعفا في بناء السيناريو، وليس بهدف النقد، فبعد هروب "إندي" وهيلينا شو من رجال الدكتور فولر إلى مراكش، تنصح عميلة الحكومة الأميركية الدكتور فولر بعدم تغيير برنامجه، عليه أن يذهب إلى لوس أنجليس، ليتسلموسام تطويره للصواريخ من رئيس الولايات المتحدة.
في المغرب يعرف "إندي" من صديقه جون ريس ديفيز، في دور شخصية صلاح، الشهير بعمله في سلسلة أفلام إنديانا جونز، أن هيلينا شو ابنة "إندي" بالمعمودية،اعْتُقِلت في طنجة العام الماضي، لبيعها بضائع مهرّبة في مزاد، ودفع كفالتها عزيز رحيم، ابن رحيم الكبير، ورحيم الكبير هو رجل عصابات مغربي معروف، ويملك فندق آتلانتيك في طنجة، وهذا الأسبوع يستقبل الفندق مزادا سنويا للقطع الأثرية المسروقة.
بعد سلسلة مطاردات على النمط المعتاد في السلسلة الشهيرة، يجمع المخرج جيمس مانغولد، وبعسر درامي شديد، شخصيات الفيلم الرئيسة من أشرار وأخيار، في طائرة، تمهيدا للعودة العظيمة في الزمن. هوليوود لا تزال في جعبتها فبركة علمية لنظرية الانجراف القاري،تُضاف إلى ركام الفبركات العلمية المتعلقة بالزمن، أو العودة إلى الماضي، أرشيف هوليوود لا ينتهي حنينه إلى الماضي.
بحسابات أرخميدس منذ ألفي سنة، ولم يكن يعرف نظرية الانجراف القاري، فإن فجوة الزمن، أو الاضطراب الزمني الذي سيعيد النازي فولر إلى عام 1939، أعاده بفرق حسابات تحرك صفائح القارات، إلى زمن ما قبل الميلاد، قبل ألفي سنة، أعاده إلى زمن أرخميدس نفسه. وهناك يلتقي أخيرا عالِم الآثار المغامر إنديانا جونز بعالِم الرياضيات أرخميدس، لتكون تلك ذروة التخييل في الفيلم الذي بذل جهدا مضنيا للجمع بين أجناس سينمائية عدة في حكاية واحدة، ولم ينجح تماما في ذلك، على الأقل ليس بقدر نجاح الذكاء الاصطناعي في إعادة هاريسون فورد إلى شبابه.