ردود الفعل الاقتصادية على الحرب في غزةhttps://www.majalla.com/node/304136/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84/%D8%B1%D8%AF%D9%88%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B9%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D9%81%D9%8A-%D8%BA%D8%B2%D8%A9
عشية استمرار الحرب في إسرائيل وغزة، تترتب على النزاع تكلفة بشرية هائلة ومتزايدة. لكن إلى جانب العنف والموت، ثمة تداعيات اقتصادية يمكن أن تكون متفاقمة وغير قابلة للتصحيح.
على صعيد الاقتصاد الكلي، يتجه الاقتصاد العالمي نحو الركود، حيث تجتمع معدلات النمو المنخفضة والضغوط التضخمية المستمرة، ولا سيما في مجالي الغذاء والوقود، مع ارتفاع تكاليف الاقتراض، وافتقار كثير من الاقتصادات المثقلة بالديون إلى فرصة تحسن على صعيد الماليات العامة. في حين قد تنتقص السياسات الصناعية التنافسية في مضمار الطاقة المتجددة من حوافز العالم النامي للقضاء على الانبعاثات الكربونية. وفي أسواق النفط، ترتفع الأسعار كرد فعل على النزاع وبسبب القلق من تكاليف التأمين في حال توسع الحرب في المنطقة.
ويبرز أيضا تهديد صريح من إيران وطلبها من أعضاء “أوبك” الآخرين حظر صادرات النفط إلى إسرائيل. لا تشتري إسرائيل بالطبع النفط من إيران، لكنها مستوردة له. والتهديد أقرب إلى تذكير بالأجواء السياسية التي أحاطت بحظر عام 1973 والخوف من استخدام النفط كسلاح في الأسواق العالمية. وعلى نطاق أوسع، لا تزال فروق الأسعار في مبيعات النفط من إيران وروسيا بسبب العقوبات وآليات تحديد سقف للأسعار تشكل عبئا على أعضاء “أوبك” الآخرين ينبغي عليهم التعامل معه، مع مواصلة المملكة العربية السعودية المنتجة للنفط تخفيضاتها الخاصة للانتاج في محاولة لتحقيق توازن في الأسعار. يُذكَر أن العقود الآجلة للنفط ارتفعت بنسبة ثلاثة في المئة إلى 93 دولارا للبرميل على خلفية قصف مستشفى المعمداني في غزة.
تستقطب السعودية بنشاط ونجاح المستثمرين في السنة الجارية، وأعلنت عن خطط لإصدار سندات أو صكوك جديدة من صندوق الاستثمارات العامة، وسيكون هذا الطرح الجديد للسندات مؤشرا على معنويات المستثمرين وقراءة لنظرة الأسواق الى آثار الحرب
وفي حين تشكل أسواق الطاقة المجال الأول لرد الفعل الاقتصادي على نزاع إقليمي بهذا التفاقم والعنف، ثمة مخاطر بعيدة الأجل يجب أن تُراعَى. تتقلص فرص الحصول على رأس المال لدى الكثير من الاقتصادات ذات الدخل المنخفض، مع ارتفاع تكاليف الاقتراض وابتعاد المستثمرين عن الأسواق الناشئة خوفا من الآفاق العالمية الضعيفة بالفعل والانكماش الإقليمي. وتتعرض الديون القائمة، ومعظمها في شكل سندات حكومية، وصكوك حكومية في الشرق الأوسط، إلى ضربة بالفعل، مع انخفاض قيمها في التداول.
وتفيد تقارير بأن السندات السيادية في الشرق الأوسط كانت من بين السندات العالمية الأسوأ أداء بعد اندلاع الحرب، إذ تراجعت سندات دبي التي تستحق عام 2043 بمقدار ثلاثة سنتات لكل دولار، وصولا إلى أدنى قيمة لها في الأشهر الـ 11 الماضية. كذلك انخفضت أسعار السندات السعودية والبحرينية.
وإذا كانت هذه هي حال الحكومات الإقليمية ذات التصنيفات الائتمانية الجيدة إلى الممتازة، فستشهد الحكومات ذات التصنيفات الأضعف حسما لديونها المتداولة، وسيصبح جذب المستثمرين إلى شراء ديون جديدة أكثر تكلفة وربما أكثر صعوبة.
وتستقطب المملكة العربية السعودية بنشاط ونجاح المستثمرين في السنة الجارية وأعلنت عن خطط لإصدار سندات أو صكوك جديدة من صندوق الاستثمارات العامة. وسيكون هذا الطرح الجديد للسندات مؤشرا على معنويات المستثمرين وقراءة لنظرة الأسواق إلى الآثار غير المباشرة التي من المحتمل أن تترتب على دول الخليج بسبب الحرب الدائرة بين إسرائيل وغزة.
في العام المنصرم تمكن صندوق الاستثمارات العامة السعودي من الاقتراض من أسواق المال الدولية بسهولة، إذ حصل على قرض قيمته 17 مليار دولار في نوفمبر/تشرين الثاني 2022. واستفاد الصندوق أيضا من ضخ لرأس المال مع نقل لأسهم من "أرامكو السعودية" بقيمة 80 مليار دولار.
— Asharq Business اقتصاد الشرق (@AsharqBusiness) October 17, 2023
وتبرز إشارة أخرى إلى الأثر الاقتصادي في صناديق المؤشرات (index funds) الخاصة بالأسهم المستندة إلى الأسواق الناشئة، أي أسهم الشركات المدرجة في البورصات الإقليمية والمدرجة أيضا في مؤشرات رئيسة، مثل مؤشر "مورغان ستانلي كابيتال إنترناشيونال"؛ ذلك أن أسهم شركات الأسواق الناشئة المدرجة في هذا المؤشر انخفضت بنسبة واحد في المئة تقريبا، بسبب التوترات في الشرق الأوسط واحتمال تمدد النزاع. ومن الصعب استخلاص أدلة على حدوث إنكماش عالمي بسبب الانكماش الاقليمي المرتبط مباشرة بالنزاع بين إسرائيل وغزة.
وقد وضع اقتصاديون في "بلومبرغ" أخيرا نماذج لثلاثة سيناريوهات تتزايد احتمالاتها (اقتصار الحرب على غزة وإسرائيل، وحرب إقليمية بالوكالة، ونزاع مباشر بين إيران وإسرائيل)، بغرض قياس الأثر في الناتج المحلي الإجمالي العالمي للحرب الدائرة بين إسرائيل وغزة.
وقد يكون هناك سيناريو رابع لم يضعوا نموذجا له، ويتعلق باتخاذ النزاع نطاقا عالميا. في السيناريوهات كلها، يبقى التضخم مرتفعا عالميا والنمو متواضعا، في حين أن حربا مباشرة بين إسرائيل وإيران ستدفع التضخم العالمي إلى سبعة في المئة عام 2024.
ستتعثر الجهود الدبلوماسية العالمية الخاصة بإعادة هيكلة الديون وتخفيف عبئها بسبب الافتقار إلى التنسيق بين مصارف التنمية المتعددة الأطراف، والصين بوصفها طرفا مقرضا، والحكومات الغربية والمؤسسات المالية التي قد تكون على استعداد لتقليص أقساط التسديدات
هذه النقطة المتعلقة باتساع النزاع تصل إلى تباعد اقتصادي واضح بالفعل، إذ تتخلص أوروبا والولايات المتحدة من الأخطار المترتبة عليهما من الصين، لكن الصين ونظرتها إلى الأسواق الناشئة تتطور وفق كل من العلاقات السياسية والاقتصادية. وتمثل مشاركة بوتين في المؤتمر العالمي حول الحزام والطريق جهدا جديدا لما وصفه بأنه "ممر بين الشمال والجنوب" يحقق الترابط. وعلى المستوى الجغرافي، يمثل ربط الكتلة البرية الروسية عبر شمال آسيا بالكتلة الآسيوية الجنوبية في الصين أمرا استراتيجيا، لكن الأجواء السياسية في جهود الشراكة بين البلدين أوسع بكثير.
الواقع أن أثر التباعد، إلى جانب سيناريوهات النمو المنخفض أو حتى الركود، وإلى جانب تكاليف الاقتراض المرتفعة، يؤدي إلى طريق مسدودة في جهدين من الجهود الدبلوماسية العالمية المهمة الجارية: يتعلق الأول بمفاوضات المناخ في مؤتمر الأطراف الـ28، إذ يصبح من الصعب بشكل متزايد تلبية مطالب اقتصادات الأسواق الناشئة لاحتياجاتها من الطاقة (ولا سيما البلدان المنتجة للنفط والغاز وتلك التي لديها إمدادات فحم محلية) مع الدعوات الشاملة إلى إزالة الكربون من قطاع الطاقة. ببساطة لن يُتَاح تمويل للطاقة الجديدة أو وفرة في الماليات العامة لإجراء تغييرات كبيرة في مزيج الطاقة. والثاني، ستتعثر الجهود الدبلوماسية العالمية الخاصة بإعادة هيكلة الديون وتخفيف عبئها بسبب الافتقار إلى التنسيق بين مصارف التنمية المتعددة الأطراف، والصين بوصفها طرفا مقرضا، والحكومات الغربية والمؤسسات المالية الخاصة التي قد تكون على استعداد لتقليص أقساط التسديدات.
بطبيعة الحال، ليست هذه المسائل، المتعلقة بالمناخ وإعادة هيكلة الديون، ناجمة عن النزاع بين غزة وإسرائيل. لكن النزاع يجعل إبرام الصفقات والتعاون العالميين أكثر صعوبة، ويرتبط سيناريو الأخطار المتزايدة في أسواق الطاقة ارتباطا مباشرا بالسلام والاستقرار الإقليميين. وتتجاوز الأخطار المباشرة المترتبة على اتساع نطاق النزاع المنطقة أيضا، إذ إن خطر انعدام أمن الطاقة والاستدامة المالية سيصيب الحوكمة في كثير من البلدان في أنحاء العالم كله.