بِقدر امتنان مدينة الصويرة المغربية للمخرج الأميركي أورسن ويلز الذي سمقَ بها سينمائيّا، إذ بفضله حجزتْ لنفسها أبدع مكانة جمالية عالميّا، بالنّظر إلى فيلمه الشهير "عطيل" المصوّر في أخلب وأرعب فضاءاتها بين 1949 و1951، والمتوّج بالسعفة الذهبية لمهرجان كان 1952، فأمست من أيقونات الأمكنة السحرية ذات الجاذبية في قوائم الوجهات العالمية الأمثل لتصوير الملاحم الكبرى، تاريخية ودرامية وفانتازية وغيرها من الأعمال السينمائيّة الضخمة التي انتدبتها فضاء غرائبيّا للإنجاز، كذلك هو امتنان المخرج أورسن ويلز بالمقابل لحاضرة الصويرة التي لم تخذل أفق انتظاره، ووهبته مجمل الأدوات التي كان يفتقدها لإنجاز مغامرته الشكسبيريّة، في وقتٍ تنكّر له المنتج الإيطالي وتخلّى عنه معظم المساهمين في الإنتاج من الفرنسيّين، وكذا شركاؤه في العمل من مُصمّمي الأزياء ومهندسي الديكورات بسبب الإفلاس.
كلّ هذا الخذلان لم يطفئ شعلة الفكرة المتوقدة للفيلم، بل زادها ضراوة كيما تتحقّق ولو بأبسط الإمكانيّات والطرائق المبتكرة، وهذا ما أسعفته به مدينة الصّويرة بهندسة قلعتها المتاهيّة، بأبراجها وأسوارها المتاخمة للبحر، وبأهلها المتفانين من الصنّاع التقليديّين والحرفيّين والبحّارة.
من الأوبرا إلى السينما
بحسب أورسن ويلز نشأت فكرة فيلم عطيل كمشروع مشترك مع منتج إيطالي اقترح المسرحية كي يحوّلها إلى أوبرا مصوّرة بطريقة فيلميّة، استنادا إلى العمل الموسيقي الذي أنجزه جوزيبي فيردي حول تحفة شكسبير ذائعة الشهرة هذه، وحينما اكتشف المنتج الإيطالي بأنّ أورسن ويلز يحيد عن الفكرة الأوبرالية المُقترحة لصالح السينما بتصرّف وتطرّف، امتنع عن استئناف مشروع الإنتاج المبدئيّ، وبالرغم من ذلك استمرّ أورسن ويلز في مغامرته، وذلك بتكييفها مع المتغيرات المالية الطارئة، بحثا عن مؤسسة إنتاجية فرنسيّة، وكان قد اختار سابقا جنوب فرنسا لتصوير المشاهد الداخلية باستوديوهات فيكتورين، بينما استأثرت البندقية والصويرة بتصوير المشاهد الخارجية.