على الرغم من كل محاولات المحو والترحيل الجماعي في غزة في حرب أكتوبر/تشرين الأول 2023، فإن الفلسطينيين لا يزالون باقين في بيوتهم وديارهم، ولسان حالهم يقول: "آن للنكبة أن لا تستمر"، وأن الصمود خير وأبقى. لكن ما معنى "النكبة"؟
ورد في "معجم الدوحة التاريخي" معنى كلمة "النكبة" بأنها "الجائحة والمصيبة من مصائب الدهر"، وكلمة النكبة مرتبطة بمفهوم الكارثة الطبيعية. لكن مصطلح النكبة أخذ دلالات أخرى بعد عام 1948، وخصوصا عندما وصف المؤرخ قسطنطين زريق هذه الواقعة في كتابه "معنى النكبة" الذي صدر عام 1948 بعد أحداث فلسطين وكارثتها بشهور قليلة- وهو أول كتاب عالج قضية النكبة ووسمها بهذا الوسم- وقد استخدم زريق وسم النكبة ليشرح ويفسر ما لحق بالفلسطينيين والعرب من هزيمة ومن تسلط الاستعمار الصهيوني في فلسطين، وبناء المستعمِرين دولة استعمار استيطاني حملت اسم "إسرائيل".
بدأ زريق كتابه بالقول: "ليست هزيمة العرب في فلسطين بالنكسة البسيطة، أو بالشر الهين العابر، وإنما هي نكبة بكل ما في هذه الكلمة من معنى، ومحنة من أشد ما ابتلي به العرب في تاريخهم الطويل، على ما فيه من محن ومآسٍ". يرى زريق أن النكبة هي شر، ومحنة، ونكسة، ومأساة وغيرها من الأوصاف الأخرى الواردة في الكتاب، أي إن النكبة تعني الهزيمة والضعف والابتلاء الذي مني به الفلسطينيون والعرب، وأدّت النكبة إلى عطب بنيوي ليس فلسطينيا فحسب، وإنما هو عطب يمس العرب ومجتمعاتهم وكياناتهم السياسية، كون النكبة أوجدت كارثة مستدامة متمثلة في دولة استعمارية تحارب جوارها وتحاول توسيع حدودها بشكل دائم.
اقرأ أيضا: في غزّة... تفتت اجتماعي وعزلة إجبارية عن العالم
لقد ربط زريق حالة النكبة بحالة التقهقر والتراجع، بقوله: "إن النكبة التي نزلت بنا اليوم هي إذن محك لوضعنا الداخلي الحاضر. فإذا كانت عوامل الرجعية والانحلال هي المسيطرة علينا، فإن هذه النكبة ستزيدنا ضعفا وانحلالا وتفرقا. أما إذا كانت لعوامل التقدم والنمو بعض القوة- حتى لو لم تكن هي السائدة- فإن الصدمة العنيفة التي تلقيناها خليقة بأن تعزّز هذه العوامل وتمشي بها قدما بمزيد همة، وتراكم أثر". ربما كان استشراف زريق صحيحا في أن النكبة ستؤدي إلى نكبات متراصة ومتعاقبة للفلسطينيين والعرب، كون العقل الاستعماري، عقلا إقصائيا وتوسعيا، يحاول ضرب كل نماذج التقدم والنهوض العربية.
كانت دراسة عارف العارف بعنوان "النكبة والفردوس المفقود" (2012) من الكتب التشريحية في تأريخ تاريخ النكبة الفلسطينية، وهو كتاب موسوعي في ثلاثة أجزاء. يصف العارف في مطلع موسوعته: "وكيف لا أسميها النكبة. وقد نكبنا، نحن معاشر العرب عامة والفلسطينيين خاصة، خلال هذه الحقبة من الزمن، بما لم ننكب بمثله منذ قرون وأحقاب؛ فسلبنا وطننا، وطردنا من ديارنا، وفقدنا عددا كبيرا من أبنائنا وأفلاذ أكبادنا، وأصبنا فوق هذا وذاك بكرامتنا في الصميم...". هنا يرسم العارف حدود النكبة وملامحها بالفقدان والسلب والخسارة والطرد والترحيل والموت. وربما أسّست النكبة في الوعي سؤال الهزيمة والخوف.