ثمة ثابت واحد مهيمن في سياسة الولايات المتحدة بالشرق الأوسط منذ عام 1973، هو أمن إسرائيل؛ فقد حددت الولايات المتحدة أمن إسرائيل باعتباره مصلحة وطنية أميركية تتمتع بأولوية لفترة تزيد على خمسين عاما، بل استخدم الأميركيون الاستراتيجيات نفسها بشكل أساسي لتحقيق هذه المصلحة الوطنية منذ حرب 1973. وفي حين تتغير الأسماء والأماكن، فإن النهج الأميركي لا يحول ولا يزول.
أولا، تتمثل إحدى الاستراتيجيات الأميركية الأساسية في ضمان التفوق العسكري الإسرائيلي؛ ففي حرب عام 1973، حين تكبد الجيش الإسرائيلي خسائر فادحة في الأيام الأولى للحرب، نقل هنري كيسنجر، وريتشارد نيكسون، الإمدادات العسكرية والطائرات المقاتلة الجديدة على وجه السرعة، وأخرجت إدارة نيكسون طائرات الفانتوم الأميركية من طراز "إف-4" من قواعد القوات الجوية الأميركية، ونقلتها إلى إسرائيل بعد أن رُسمت نجمة داود فوق العَلَم الأميركي، وبدأ الطيارون الإسرائيليون فورا في استخدام تلك الطائرات ضد سوريا ومصر. وكان واضحا أن كيسنجر ونيكسون كانا يصران على أن يكون التوازن العسكري في حرب أكتوبر/تشرين الأول لمصلحة إسرائيل.
واليوم، تهدف إدارة بايدن، من خلال إرسالها قنابل وصواريخ مضادة للصواريخ وإمدادات أخرى إلى إسرائيل على أثر هجوم "حماس"، إلى تمكين إسرائيل من قصف غزة وسوريا ولبنان والعراق على الوجه الذي تراه إسرائيل ضروريا، بينما تتمكن إسرائيل في الوقت عينه من حماية نفسها من الهجمات الصاروخية.
ومتابعة لهذه السياسة، تسارع الولايات المتحدة باستمرار لإدانة الهجمات الإرهابية ضد المدنيين الإسرائيليين، سواء كان تنظيم حماس أم الفدائيون الفلسطينيون أم "حزب الله" هو من شنّ تلك الهجمات. وعلى النقيض من ذلك، كانت واشنطن تتردد دائما في انتقاد الأعمال العسكرية الإسرائيلية، والتي أدت إلى مقتل آلاف المدنيين في غزة، والضفة الغربية، ولبنان على نحو مباشر. ومن شأن انتقادات كهذه أن تفتح نقاشا حول المساعدات العسكرية الأميركية المقدمة لإسرائيل، وإن استثنينا الديمقراطيين ذوي الميول اليسارية كالسيناتور بيرني ساندرز، فلا أحد في الطبقة السياسية في واشنطن يريد مناقشة هذه السياسة الأميركية التقليدية.
اقرأ أيضا: من هو يحيى السنوار... وهل أخطأ في "الطوفان"؟
تتمثل الاستراتيجية الأميركية الثانية الثابتة في إخراج دول المنطقة من المعسكر الذي يواجه إسرائيل. فقد هدف هنري كيسنجر أواخر عام 1973 إلى إبرام اتفاق عسكري أولي بين مصر وإسرائيل يؤدي في نهاية المطاف إلى إجراء محادثات سلام برعاية أميركية. وقد رُبطت العملية التي بدأها كيسنجر، ومن ثمّ أنهاها السادات والرئيس كارتر في كامب ديفيد براعٍ عسكري واقتصادي أميركي، وضمنت أنه لا يمكن لأي تحالف يتشكل بين الدول العربية أن يشكل تهديدا عسكريا كبيرا لإسرائيل كما حدث في حرب أكتوبر/تشرين الأول. وبعد انقضاء خمسين عاما، واصلت إدارة ترمب ومن ثم إدارة بايدن الجهود الأميركية الرامية لإقناع دول المنطقة بقبول إسرائيل.
وكان فريق بايدن يبذل جهدا كبيرا بهدف التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية بعد اتفاق أبراهام الذي عقده ترمب. وتهدف اتفاقات التطبيع هذه إلى تشكيل مجموعة إقليمية تتألف من إسرائيل والدول العربية الرئيسة بهدف الوقوف في وجه إيران، وتهدف في الوقت ذاته إلى الحدّ من العلاقات العسكرية التي تربط هذه المجموعة الشرق أوسطية بكل من الصين وروسيا.