أسرّ إليّ أحد الملاكمين بأنه يحسب حسابا لضربة الخصم الواثق من نفسه ويحسب حسابين للكمة الخائف المهزوز. وعندما سألته عن سبب ذلك، أخبرني أن الخصم الخائف منك، الممتلئ رعبا من ضربتك التي ستأتي، ستكون ضربته لك قبلها في غاية القوة لأنه سيحاول أن يحمي بها نفسه من الضرب، ولذلك هي ضربة قد تكون قاتلة.
هذه المعلومة خطرت ببالي من جديد وأنا أقرأ عن مطالبة وزير إسرائيلي بإلقاء قنبلة ذرية على غزة، فمثل هذه المطالبة لا تدل على القوة بقدر ما تدل على الهشاشة، فما بالغ الإنسان في إظهار العنف والقوة إلا وكان في ذلك إظهارا للهشاشة والضعف. كل ذلك علامات على تلك الهشاشة، وعلى بلد لا يستطيع أن يتحمل حربا حقيقية تستغرق شهورا متواصلة. بطبيعة الحال، تحاول إسرائيل أن تحقق نتائج سريعة على الأرض، لكن يبدو أن الرفض الفلسطيني والجهود العربية المتكاتفة في السعودية ومصر والأردن قد أفشلت مشروع التهجير الجديد بعد أن تكاتفت التصريحات المؤكّدة أن مثل هذا الأمر مرفوض تماما وهو في مقام إعلان حرب.
وضع لبنان قريب في هشاشته من وضع إسرائيل. بلد يقوم اقتصاده على السياحة المعطلة منذ سنين، بسبب احتلال آخر. لبنان بلد محتل، وحزب الله الذي يفترض أن يكون لبنانيا وطنيا هو في حقيقة أمره أداة للاحتلال الإيراني، وكل من يملك أبسط أدوات التحليل السياسي يعلم أنه ليس لأحد أن يتوقع من حزب الله تدخلا حقيقيا لإنقاذ أهل غزة، ولذلك لم يُصدم أحد – سوى السذج - بموقف أمين عام الحزب حسن نصرالله حين لهث كثيرا لتبرئة إيران أولا، ثم حزب الله ثانيا من التورط في أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول، وأن الأمر برمته ترجع مسؤوليته إلى حماس التي لم تستشر أحدا. وبدورهما أنكر قائدا حماس، خالد مشعل وإسماعيل هنية أن يكونا على علم بما جرى وادعيا أنهما علما بها من شاشات التلفزة، فرميا بالمسؤولية على القادة الميدانيين.
إذا كان وضع أطراف الصراع بهذه الهشاشة، فلماذا لا يكون هناك، ولو من باب التغيير، رغبة صادقة لإنهاء الصراع وتبني حل الدولتين؟ بدلا من الرغبات الصادقة في استغلال قضية فلسطين للمصالح الشخصية الضيقة وجني الأموال الهائلة
استمات حسن نصرالله في الدفاع عن إيران، رغم علم الجميع أنها هي من أمرت بهذه الحرب. ثم تخلت عن الحمساويين، الذين أشاروا إشارات واضحة بقدر كافٍ إلى شعورهم بخيبة الأمل تجاه إيران وقيادة حزب الله اللتين خذلتاهما وخانتاهما بعد الوعود بالتدخل.
لم يلتفت حسن نصرالله إلى هشاشة حال وطنه وأن الوضع قاس بما فيه الكفاية من دون حرب مع إسرائيل، فما بالك بالضائقة الاقتصادية تضاف إليها الحرب؟ نصرالله لم يلتفت إلى هذه النقطة في ذلك الخطاب، بل كان يدافع فقط عن المحتل (إيران). لماذا الدفاع؟ لأن وضع إيران في غاية الهشاشة هي الأخرى، فتلك البوارج وناقلات الطائرات ( آيزنهاور وجيرالد فورد) لم تأت لتقاتل الفلسطينيين في غزة، وإنما هي جاهزة لضرب إيران في حال تدخلها في الحرب، وإيران في وضعها الحالي، ستقوم فيها ثورة بمجرد أن تدخل في حرب حقيقية من هذا النوع، لا حروب الوكالة. وبالتالي، فإيران – بدورها - وضعها هش أمام شعب أرهقته الحروب والتدخلات الخارجية التي تقوم بها إيران ضد دول الجوار، بينما الوضع الداخلي يسير نحو الاختناق، وثمة ملل وسأم يعتريان إيران شرقا وغربا من حكم الدولة الثيوقراطية المتخلفة.
إذا كان وضع أطراف الصراع بهذه الهشاشة، فلماذا لا يكون هناك، ولو من باب التغيير، رغبة صادقة لإنهاء الصراع وتبني حل الدولتين؟ بدلا من الرغبات الصادقة في استغلال قضية فلسطين للمصالح الشخصية الضيقة وجني الأموال الهائلة من ورائها والمتاجرة بالدم الفلسطيني لكسب المديح الشعبوي أو تحقيق النفوذ السياسي.