حيفا- بنيامين نتنياهو هو رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي تبوأ منصبه لأطول فترة زمنية، وقد يسجل له التاريخ أنه ثاني أبرز رئيس وزراء في تاريخ إسرائيل حتى الآن، بعد ديفيد بن غوريون الذي قاد الإعلان عن الدولة وإقامة مؤسساتها وطرد الفلسطينيين والتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع الدول العربية، بحيث حول فكرة الدولة اليهودية إلى واقع سياسي غيّر تاريخ الشرق الأوسط عموما، وتاريخ الفلسطينيين وفلسطين، وربما إلى الأبد.
أدخل نتنياهو إسرائيل إلى وضع جديد ومختلف جديا عما سبقه؛ فبعد فترة فاشلة له نسبيا من تبوؤ المنصب الأهم في إسرائيل بين السنوات 1996 و1999، اختفى نتنياهو لفترة قصيرة عن المشهد السياسي، وهو ما اعتبره تحملا لمسؤولية الفشل في انتخابات 1999 أمام (رئيس الوزراء السابق) إيهود باراك، ليعود بعد سنوات قليلة كوزير في حكومة آرئيل شارون وكرئيس للمعارضة بعد ذلك، إلى أن عاد إلى رئاسة الوزراء عام 1999 واستمر في منصبه عمليا حتى اليوم، ما عدا فترة قصيرة جدا تقلد فيها المنصب كل من نفتالي بينيت، ويائير لابيد (يونيو/حزيران 2021– ديسمبر/كانون الأول 2022).
لقد غير نتنياهو إسرائيل بشكل جدي، فبالرغم من أن غالبية المراقبين والإسرائيليين سيتذكرون إقدامه على "الانقلاب القضائي" بداية عام 2023- وهي مسألة تم تأجيلها حاليا إلى ما بعد الحرب على غزة- إلا أنه قام بتغييرات مهمة أدخلت إسرائيل في عصر "الجمهورية الثالثة"، بعد جمهورية بن غوريون التي أقيمت عام 1948، وجمهورية مناحيم بيغن التي أقيمت عام 1977. فقد أقدم منذ عام 2009 على إحداث تغييرات مهمة، إذ ألغى نهائيا فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة، وأجبر السلطة الفلسطينية على التحول إلى ذراع أمنية تساهم في حفظ الأمن الإسرائيلي، وهو يطمح حاليا لتكرار هذا الترتيب في غزة.
كما أحدث نتنياهو ثورة كبيرة في المكانة الدولية لإسرائيل، من خلال إنجازات دبلوماسية مثيرة، أهمها خلق التفاف غير مسبوق في المؤسسات الرسمية للدول المهمة مثل الهند والصين وروسيا وعموم الاتحاد الأوروبي وكندا، بالإضافة للدعم المطلق من قبل الولايات المتحدة، وصولا إلى الحرب الحالية على غزة والدعم الكبير لغالبية هذه الدول لتطلع إسرائيل إلى "القضاء على حماس"، بما في ذلك السكوت على جرائم واضحة للعيان ضد الغزيين.
داخليا، قاد نتنياهو تحول اليمين الإسرائيلي، و"الليكود" في مركزه، إلى كتلة مسيطرة في السياسة الإسرائيلية، وشتت اليسار وأضعفه، إلى درجة اختفاء جزء من أحزابه، وتمكن بسهولة نسبية من تمكين نفسه من رئاسة الوزراء وإخفاء كل منافسيه داخل "الليكود" وخارجه، وهم جميعا بالتأكيد أقل دراية وحكمة سياسية منه. وهو يتفوق عليهم في إتقان المراوغة والكذب والإفلات من التجاوزات، وكأنه ينفذ وصايا مكيافيلي في كتابه "الأمير".