مصر ومستنقع إدارة غزة

من المحتمل أن يعرض نقل حكم غزة إلى مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل للخطر

AFP
AFP
صبي فلسطيني على دراجته أمام مبنى مدمر في رفح بجنوب قطاع غزة في 6 نوفمبر 2023

مصر ومستنقع إدارة غزة

من غير المرجح أن تتولى مصر حكم قطاع غزة بعد انتهاء الحملة الإسرائيلية الحالية على القطاع المحاصر؛ إذ تجري مناقشة فكرة سيطرة مصر على غزة في بعض الأوساط الأوروبية والإسرائيلية ضمن سلسلة من السيناريوهات المتصورة للأراضي الفلسطينية لمرحلة ما بعد "حماس".

وتشمل المقترحات الأخرى لمستقبل القطاع المحاصر منح السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس فرصة لحكم غزة إلى جانب الضفة الغربية. كما طُرحت فكرة إدارة دولية لقطاع غزة، تتولى من خلالها قوات من مجموعة واسعة من الدول مهمة حراسة الحدود، كواحدة من الحلول المطروحة بهدف ضمان عدم تشكيل الأراضي الفلسطينية الساحلية– التي يزيد عدد سكانها على مليوني نسمة– تهديدا أمنيا لإسرائيل في المستقبل.

لم تعلّق مصر رسميا على الاقتراحات المطروحة في هذا الصدد. ومع ذلك، فإن الدولة العربية المكتظة بالسكان، والتي تشترك في الحدود مع غزة وإسرائيل، سترفض على الأرجح فكرة إسناد حكم الأراضي الفلسطينية إليها. حيث إن للقاهرة أسبابا منطقية عديدة لرفض هذا المقترح.

تلقي الاقتراحات المذكورة أعلاه نظرة على رغبة إسرائيل في الانفصال بشكل كامل عن غزة، بما في ذلك التخلي عن مسؤولية توفير الاحتياجات الأساسية للقطاع الفلسطيني، مثل: المياه، والكهرباء، والطعام، والوقود. وهذا يعني أن الجهة التي ستتولى السيطرة على القطاع بعد تحقيق إسرائيل لهدفها في هزيمة "حماس" ستكون مسؤولة عن تلبية احتياجات سكان غزة. ويعتقد بعض الناس أن هذا الأمر سيكون سهلا بالنسبة لمصر، وهي دولة تضم 105 ملايين نسمة بالإضافة إلى 9 ملايين لاجئ موجودين بالفعل. ويعتبر البعض أن إضافة سكان قطاع غزة، وهم 2.3 مليون نسمة، إلى العبء الذي تتحمله مصر لن يكون أمرا صعبا.

اقرأ أيضا: "مترو غزة"... شريان حياة أم مقبرة المدنيين؟

ومع ذلك، تتحمل مصر أعباء كبيرة بالفعل، على حد تعبير سمير غطاس، رئيس المركز الاستراتيجي للدراسات المحلية. وقال غطاس لـ"المجلة": "إذا تولت مصر السيطرة على غزة، ستكون مضطرة لتلبية جميع احتياجات هؤلاء الأشخاص". وأضاف: "لن يكون هذا الأمر سهلا على مصر في ظل الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها حاليا"؛ فمصر اليوم، بديونها المتراكمة واتساع عجز الميزانية واستنزاف الاحتياطيات من العملة الأجنبية لسد احتياجات شعبها، تواجه أزمة اقتصادية هائلة. وارتفعت أسعار السلع الأساسية بشكل حاد بسبب انخفاض قيمة الجنيه المصري، مما تسبب في معاناة عشرات الملايين من السكان وزيادة معدل الفقر بشكل كبير في بلد كان نحو ثلث سكانه من الفقراء قبل الأزمة الاقتصادية الحالية.

Reuters
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يحيي الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال قمة القاهرة الدولية للسلام

لقد بدأت مصر أيضا مفاوضات مع وكالات الائتمان الدولية، مثل صندوق النقد الدولي، للحصول على تسهيلات ائتمانية، حيث وافقت على إجراءات إصلاحية صارمة، تتضمن بيع الأصول الحكومية وتقليص وجود القطاع العام في السوق.

حقل ألغام

يأتي اقتراح نقل مسؤولية غزة إلى مصر في أعقاب تقارير عن خطة إسرائيلية لإجبار سكان الأراضي الفلسطينية على المغادرة إلى سيناء المصرية. إلا أن مصر وقفت بثبات في وجه هذه الخطة، حيث حذر الرئيس المصري من تداعيات تنفيذها على معاهدة السلام التي وقعتها مصر مع إسرائيل عام 1979.

ومن المحتمل أن يؤدي نقل حكم غزة إلى مصر للنتيجة نفسها: تعريض السلام بين مصر وإسرائيل للخطر؛ حيث إن سيطرة مصر على غزة تعني أن عليها منع فصائل القطاع الفلسطيني، التي يتمتع معظمها بولاءات إقليمية خاصة، بما في ذلك لإيران، من شن هجمات على إسرائيل بالقوة إذا لزم الأمر.

فإذا فعلت مصر ذلك، فسينظر إليها الفلسطينيون على أنها شريكة لإسرائيل، الدولة التي تستمر في مصادرة أراضيهم وتخطط لطردهم إلى البحر.

من المحتمل أن يؤدي نقل حكم غزة إلى مصر للنتيجة نفسها: تعريض السلام بين مصر وإسرائيل للخطر

وفي حال عدم منعها للهجمات، فإن مصر– الدولة التي قبلت لعب دور الشرطي لإسرائيل في هذه الحالة– ستعرض نفسها لخطر مواجهة تل أبيب، مما سيفتح الباب على مصراعيه لحرب جديدة مع الجيش الإسرائيلي.

واستثمرت الإدارة الحالية في مصر الكثير في  محاربة جماعة "الإخوان المسلمين"، التنظيم الأم لمعظم الحركات الإسلامية في المنطقة.

وكانت جماعة "الإخوان المسلمين"، التي تولت حكم مصر عام 2012، قد خططت لتأسيس سلالة إسلامية في هذا البلد في طريقها نحو السيطرة على المنطقة بأكملها.

ودفع المصريون ثمنا باهظا لقرارهم بشن ثورة ضد جماعة "الإخوان المسلمين"، بعد عام واحد فقط من سيطرة الجماعة الإسلامية على السلطة في مصر.

وكلفت موجات الإرهاب المتكررة، التي قادها "الإخوان المسلمون" بعد سقوط نظامهم عام 2013، مصر الكثير من الأرواح والأموال، بما في ذلك ترهيب السياح وإبعاد الاستثمارات. وإذا تولت مصر السلطة في غزة، فإنها ستتجه إلى "الإخوان المسلمين" في واحد من أهم معاقلهم، وذلك نظرا لأن "حماس" ليست سوى فرع آيديولوجي من أفرع الجماعة.

ووفقا للمراقبين في القاهرة، فإن القضاء على "حماس"– إن  حدث– لا يعني زوال هذا التنظيم بشكل كامل. وفي كلامه مع "المجلة"، قال وزير الخارجية المصري الأسبق، محمد العرابي: "لهذا السبب أعتقد أن رغبة إسرائيل في القضاء على "حماس" بالكامل لا تتعدى كونها أحلام يقظة". وأضاف أن "حماس ستظل جزءا من المعادلة في غزة، نظرا لتزايد شعبيتها بين الفلسطينيين بشكل كبير بعد هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول".

وتعني هذه الشعبية أن شبح "حماس" سيظل موجودا في غزة، حتى لو أزيلت هذه الجماعة من السلطة في المنطقة. وهذا يعني أن مصر– في حال سيطرتها على غزة– ستواجه المجموعة نفسها التي جاهدت للتخلص منها في الداخل.

بالتخلص من إدارة غزة تكون إسرائيل قد استطاعت حل مشكلة أمنية ضخمة

إرث السيسي

وأشار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي عارض بشكل قاطع التهجير القسري لسكان غزة، إلى تأثير هذا التهجير على مستقبل نضال الفلسطينيين من أجل إقامة الدولة.

وسيخوض السيسي الانتخابات الرئاسية التي ستجرى الشهر المقبل في بلاده، سعيا للحصول على ولاية جديدة مدتها ست سنوات لقيادة أكبر دولة في العالم العربي من حيث عدد السكان.

اقرأ أيضا: حرب غزة... ستة تطورات تجب متابعتها

AFP
رد فعل فلسطينيين بعد القصف الإسرائيلي على رفح في جنوب قطاع غزة في 7 نوفمبر 2023

وباعتباره قائدا سابقا للجيش، فإن السيسي يعرف الثمن الكبير الذي يمكن أن تكلفه الحرب، ويقدر جيدا قيمة السلام. لذا، فهو يدعو إلى الاستفادة من الحرب الحالية لجلب الفلسطينيين والإسرائيليين إلى طاولة المفاوضات سعيا نحو إحلال السلام بين الجانبين وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

ولن يرغب هذا الرجل نفسه في أن يذكره التاريخ باعتباره الحاكم المصري الذي سمح بتبخر أحلام قيام الدولة الفلسطينية، بما في ذلك من خلال فرض السيطرة المصرية على غزة، خاصة إذا لم تكن هذه السيطرة مقدمة لتحويل حكم غزة إلى سلطة فلسطينية موحدة تسيطر على غزة والضفة الغربية.

أصبحت غزة، بكثافتها السكانية، والظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها، والمواجهات المتكررة مع إسرائيل، كرة من النار لا أحد مستعد لالتقاطها

ويعتبر السيسي نفسه صانع سلام، ودائما ما يقارن نفسه بالرئيس المصري الراحل أنور السادات، الذي صنع السلام مع إسرائيل ودفع حياته ثمنا لذلك. ولكن آخر شيء يرغب في القيام به هو تحطيم حلم الفلسطينيين في إقامة دولتهم الخاصة.

أصبحت غزة، بكثافتها السكانية، والظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها، والمواجهات المتكررة مع إسرائيل، كرة من النار لا أحد مستعد لالتقاطها. وبالتخلص منها تكون إسرائيل قد استطاعت حل مشكلة أمنية ضخمة، خاصة إذا التزمت السلطة التي ستسيطر على القطاع ببنود أي اتفاق يحدد العلاقات بين تل أبيب وهذه المنطقة.

إلا أن هذه السلطة ذاتها ستجد صعوبة– أو استحالة– في إلزام سكان غزة باتباع مدونة قواعد السلوك المحددة في ذلك الاتفاق. ولهذا السبب يرى المراقبون في القاهرة أن غزة يجب أن تُحكم بواسطة سلطة فلسطينية موحدة تسيطر على الأراضي الفلسطينية الأخرى. ووفقا للعرابي فإن "وجود هذه السلطة مهم للغاية لأنه لن يعطي إسرائيل فرصة للادعاء بأنه ليس لديها شريك فلسطيني تتفاوض معه".

font change

مقالات ذات صلة