من غير المرجح أن تتولى مصر حكم قطاع غزة بعد انتهاء الحملة الإسرائيلية الحالية على القطاع المحاصر؛ إذ تجري مناقشة فكرة سيطرة مصر على غزة في بعض الأوساط الأوروبية والإسرائيلية ضمن سلسلة من السيناريوهات المتصورة للأراضي الفلسطينية لمرحلة ما بعد "حماس".
وتشمل المقترحات الأخرى لمستقبل القطاع المحاصر منح السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس فرصة لحكم غزة إلى جانب الضفة الغربية. كما طُرحت فكرة إدارة دولية لقطاع غزة، تتولى من خلالها قوات من مجموعة واسعة من الدول مهمة حراسة الحدود، كواحدة من الحلول المطروحة بهدف ضمان عدم تشكيل الأراضي الفلسطينية الساحلية– التي يزيد عدد سكانها على مليوني نسمة– تهديدا أمنيا لإسرائيل في المستقبل.
لم تعلّق مصر رسميا على الاقتراحات المطروحة في هذا الصدد. ومع ذلك، فإن الدولة العربية المكتظة بالسكان، والتي تشترك في الحدود مع غزة وإسرائيل، سترفض على الأرجح فكرة إسناد حكم الأراضي الفلسطينية إليها. حيث إن للقاهرة أسبابا منطقية عديدة لرفض هذا المقترح.
تلقي الاقتراحات المذكورة أعلاه نظرة على رغبة إسرائيل في الانفصال بشكل كامل عن غزة، بما في ذلك التخلي عن مسؤولية توفير الاحتياجات الأساسية للقطاع الفلسطيني، مثل: المياه، والكهرباء، والطعام، والوقود. وهذا يعني أن الجهة التي ستتولى السيطرة على القطاع بعد تحقيق إسرائيل لهدفها في هزيمة "حماس" ستكون مسؤولة عن تلبية احتياجات سكان غزة. ويعتقد بعض الناس أن هذا الأمر سيكون سهلا بالنسبة لمصر، وهي دولة تضم 105 ملايين نسمة بالإضافة إلى 9 ملايين لاجئ موجودين بالفعل. ويعتبر البعض أن إضافة سكان قطاع غزة، وهم 2.3 مليون نسمة، إلى العبء الذي تتحمله مصر لن يكون أمرا صعبا.
اقرأ أيضا: "مترو غزة"... شريان حياة أم مقبرة المدنيين؟
ومع ذلك، تتحمل مصر أعباء كبيرة بالفعل، على حد تعبير سمير غطاس، رئيس المركز الاستراتيجي للدراسات المحلية. وقال غطاس لـ"المجلة": "إذا تولت مصر السيطرة على غزة، ستكون مضطرة لتلبية جميع احتياجات هؤلاء الأشخاص". وأضاف: "لن يكون هذا الأمر سهلا على مصر في ظل الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها حاليا"؛ فمصر اليوم، بديونها المتراكمة واتساع عجز الميزانية واستنزاف الاحتياطيات من العملة الأجنبية لسد احتياجات شعبها، تواجه أزمة اقتصادية هائلة. وارتفعت أسعار السلع الأساسية بشكل حاد بسبب انخفاض قيمة الجنيه المصري، مما تسبب في معاناة عشرات الملايين من السكان وزيادة معدل الفقر بشكل كبير في بلد كان نحو ثلث سكانه من الفقراء قبل الأزمة الاقتصادية الحالية.
لقد بدأت مصر أيضا مفاوضات مع وكالات الائتمان الدولية، مثل صندوق النقد الدولي، للحصول على تسهيلات ائتمانية، حيث وافقت على إجراءات إصلاحية صارمة، تتضمن بيع الأصول الحكومية وتقليص وجود القطاع العام في السوق.
حقل ألغام
يأتي اقتراح نقل مسؤولية غزة إلى مصر في أعقاب تقارير عن خطة إسرائيلية لإجبار سكان الأراضي الفلسطينية على المغادرة إلى سيناء المصرية. إلا أن مصر وقفت بثبات في وجه هذه الخطة، حيث حذر الرئيس المصري من تداعيات تنفيذها على معاهدة السلام التي وقعتها مصر مع إسرائيل عام 1979.
ومن المحتمل أن يؤدي نقل حكم غزة إلى مصر للنتيجة نفسها: تعريض السلام بين مصر وإسرائيل للخطر؛ حيث إن سيطرة مصر على غزة تعني أن عليها منع فصائل القطاع الفلسطيني، التي يتمتع معظمها بولاءات إقليمية خاصة، بما في ذلك لإيران، من شن هجمات على إسرائيل بالقوة إذا لزم الأمر.
فإذا فعلت مصر ذلك، فسينظر إليها الفلسطينيون على أنها شريكة لإسرائيل، الدولة التي تستمر في مصادرة أراضيهم وتخطط لطردهم إلى البحر.