بعد صمت طويل، وارتفاع سقف التوقعات، ألقى حسن نصرالله، الأمين العام لـ "حزب الله"، خطابا انتظرته "حماس" وإسرائيل والولايت الأميركية المتحدة، وهو خطاب عرفنا منه، أن حزب الله لن يُصعِّد الحرب ضد إسرائيل، وسيكتفي بالمناوشات المتواضعة، المحسوبة، والتي يرى أنه من الإجحاف بحقها وصفها بالمناوشات المتواضعة، المحسوبة.
كما أعلن حسن نصرالله، أن عملية طوفان الأقصى، خططت لها، ونفذتها "حماس"، وهذا سر نجاحها، وحزب الله لم يكن لديه علم بها. هذه رسالة واضحة لإسرائيل، وقد سبقته إيران إلى ذلك، ونفت علمها بعملية "طوفان الأقصى". هل يقصد نصرالله أن مجرد علم حزب الله بعملية "طوفان الأقصى" كان له أن يُفشل الهجوم؟ أم يقصد أن "حماس" تتحمّل وحدها مسؤولية الهجوم؟ كلمة "النجاح"، كلمة خادعة في خطاب نصرالله، وكأنها جاءتْ فقط لتغطية مشاركة "حزب الله" المحدودة في الحرب، وكأنّ القرار بالمشاركة المحدودة لم يتخذ إلا لرفع العتب والإحراج عن الجانب اللبناني مما يسمّى "محور المقاومة".
اعتمد نصرالله في خطابه على البلاغة الإنشائية التي لا تُقدِّم ولا تؤخر في الحرب، مثل جمع "الشفافية والوضوح والغموض" في جملة واحدة، والتي يعلن بها أن كل الخيارات مفتوحة أمام حزبه. ستعتبر إسرائيل والولايات المتحدة عبارة "الشفافية والوضوح والغموض"، التزاما من نصر الله، ومن ورائه إيران، بعدم التصعيد.
يبدو أن خيال حسن نصرالله، أرحب كثيرا من ضيق الواقع الذي نعيشه، وهو واقع يقول لنا إن إسرائيل تضرب قطاع غزة، بكامل وحشيتها وعتادها العسكري
جاء أيضا في خطاب نصرالله، أن قرار حزبه بالتصعيد، سيتوقف على ما إذا كانت إسرائيل ستشن هجوما أكبر على لبنان، وعلى حزبه تحديدا. وهو يعرف قطعا أن إسرائيل لا تريد فتح جبهتي حرب في وقت واحد، جبهة الجنوب وجبهة الشمال، ولهذا فإن موقف حزبه الواضح من دون بلاغة الغموض، هو إعلان التخلي عن مقاومة حماس في غزة، والاكتفاء بالمناوشات المتواضعة، المحسوبة.
هل حاول نصر الله في خطابه رسم الخط الرفيع بين تأكيد أن اشتباك حزب الله مع القوات الإسرائيلية بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول، لم يكن ضعيفا للغاية ولا قويا للغاية؟ هل هو اشتباك غامض رمادي؟ وإذا كانت عملية طوفان الأقصى، هي أنبل معركة على العالَم الإسلامي أن ينخرط فيها، على حدّ قوله، فلماذا يترك تقييم انخراطه في الحرب النبيلة، عرضة لتأويلات الضعف والقوة. إن وحشية الضربات الجوية الإسرائيلية على المدنيين في قطاع غزة، كانت تستدعي من حزب الله، وفقا لخطابه على مرّ السنين، رد فعل صريح واضح، دون غموض، أي أقصى ضربات صاروخية ممكنة على جبهة الشمال.
دافع نصرالله عن مناوشاته المتواضعة، المحسوبة، بأنها أجبرت إسرائيل على تحويل الموارد والقوات إلى الحدود الشمالية، والتي كانت ستوجهها إلى قطاع غزة. وهذا يعني أن نصرالله كان يتوقع ضربات على القطاع، أعنف بكثير مما رأيناه يوميا طول الأسابيع الأربعة الماضية. يبدو أن خيال حسن نصرالله، أرحب كثيرا من ضيق الواقع الذي نعيشه، وهو واقع يقول لنا إن إسرائيل تضرب قطاع غزة، بكامل وحشيتها وعتادها العسكري.