رفض الحرب موقف أخلاقي وإنساني، وأكثر شيء يفضح المواقف هو المعايير المزدوجة. ويبدو أن الحرب ضد مواطني سكان غزة، باتت كاشفة لزيف الكثير من المواقف الأميركية والأوروبية التي ترفع شعارات ضد الحروب، وتتفاخر بأنها شرعت القوانين والمواثيق الدولية التي تجعل المدنيين أطرافا في الصراعات المسلحة؛ فلم تعد التصريحات والمواقف هي الداعمة لحرب إسرائيل ضد غزة، بل تحركات الأساطيل العسكرية وحاملات الطائرة، وكل هذا يتم تسويقه بأنه "حرب دينية" تبعث من جديد.
في المقابل، دول عربية وإسلامية تعلن موقفها الرافض لحرب الإبادة التي ترتكب ضد سكان قطاع غزة. لكن بالعودة بالذاكرة إلى مواقف بعض هذه الدول من حروب تَشنها الدكتاتوريات ضد شعوبها التي تطالب بالحرية والعيش الكريم، نجدها تندرج أيضا ضمن المواقف المتناقضة والازدواجية في المعايير؛ إذ إن قسوة الغزاة والمحتلين في قتل النساء والأطفال وتدمير المدن، لا تقل عن قتل المعارضين للنظام الدكتاتوري. فوحشية الغزاة والمحتلين لا تقل وطأة عن قسوة الدكتاتورية في القتل والدمار.
وتحت ظل التناقض في المواقف، يَعشق المتأدلجون الثنائيات المتعارضة، ويركز خطابهم نحو الآخر على مقولة: "من ليس معنا فهو ضدنا". ولا يترك حادثة أو مناسبة من دون أن تكون فرصة لاستعراض المواقف وإطلاق الشعارات والهتافات الحماسية، والدخول في سجالات مع "الآخرين" المختلفين معهم أو المنتقدين لهم. ولذلك تحولت منصات التواصل الاجتماعي وبرامج الحوارات السياسية في القنوات الفضائية إلى ساحة للتباري في تبرير الانقلاب على المواقف أو التحول نحو البرغماتية السياسية وترك المبادئ والشعارات التي كانوا يصدعون رؤوسنا بالدفاع عنها وكأنهم وحدهم حراس المعبد والعقيدة.
عندما ترفض الحرب وفق مبدأ التكلفة العالية في الأرواح والأموال التي تترتب على الدخول في المعارك المسلحة، عليك أن تواجه تهمة "الخيانة" للقضية الكبرى التي يؤمن بها المتأدلجون! وهنا أستعيد ما كتبه إيرك دورتشميد في كتابه "دور الصدفة والغَباء في تَغْيير مجرى التاريخ.. العامل الحاسم": "قد توجد حروب عادلة، غير أني لم أشهد واحدة لم تنته بآلام مهولة".
اقرأ أيضا: حرب غزة... ستة تطورات تجب متابعتها