هل يكفي الموضوع لصنع عمل فني جيد؟ سؤال طرأ في ذهني وأنا أتجوّل بين لوحات الرسامة والنحاتة نيكولا أزنمان المعروضة في متحف "وايت شيبل" بلندن. وهو المعرض الذي احتفى به نقاد الفن في الصحف البريطانية كونه يمثل نوعا من الشغب والتحريض والاعتراض على وقائع كثيرة تعيشها المجتمعات الغربية التي ترهن حساسيتها لمشكلات لا تعيشها مجتمات أخرى تشاركها العيش على الأرض في الزمن نفسه. فأزنمان المولودة في فرنسا عام 1965 وانتقلت إلى العيش في نيويورك بسبب هجرة عائلتها، وجدت في الرسم قبل النحت فضاء للتعبير عن غرابة العيش في مجتمع صار ينأى بأفراده عن حقيقة انتمائه إلى البشرية ليتأكد من نقائه. وهو ما دفعها إلى أن ترسم من موقع الصدمة التي تعرضت إليها. ولكنها حتى وإن خلقت عالما سيجد الآخرون أنهم قد جُردوا من أقنعتهم فيه، فإنها تقف في مواجهة سؤال أكثر حساسية هو "هل نجحت في صنع لوحة، يتفوق فيها التعبير الفني بكل وسائله الخاصة على الموضوع الذي دفعها إلى الرسم؟".
في كل ما قرأت من كتابات النقاد البريطانيين هناك ميل إلى الوصف وهو ما يستبعد التأمل. وفي ذلك نوع من إخفاء الحقيقة. حقيقة أن الفنانة ترى العالم بطريقة مختلفة كما أن هناك حقا للمشاهد في أن يرى رسوما مختلفة، ورسوم أزينمان هي رسوم مختلفة تماما.