في كل مرة تقوم فيها مجموعة متشددة مرتبطة بإيران بشن هجمات ضد إسرائيل بهدف دعم الفلسطينيين، يقترب احتمال وقوع مواجهة مباشرة بين واشنطن وطهران خطوة جديدة وخطيرة.
ومنذ اللحظة التي شن فيها مقاتلو حماس هجومهم الصادم ضد إسرائيل يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، والذي أسفر عن مقتل حوالي 1400 إسرائيلي واحتجاز أكثر من 200 شخص كرهائن، ازدادت التكهنات حول احتمال أن يؤدي دعم إيران لشبكة معقدة من المجموعات المتشددة في جميع أنحاء المنطقة إلى تصاعد الصراع في غزة وتحوله إلى حرب إقليمية واسعة النطاق، يمكن أن تنتهي في نهاية المطاف إلى مواجهة مباشرة بين إيران والولايات المتحدة.
والحق أن إيران لم تقم بالكثير لتهدئة المخاوف من احتمال مشاركتها مباشرة في الصراع في غزة، حيث أعلن أعضاء كبار في النظام الإيراني دعمهم العلني لحماس في صراعها ضد إسرائيل. وفيما أصر الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي على أن إيران لم تكن مشاركة مباشرة في تخطيط وتنفيذ هجوم "حماس"، فإنه لم يتوانَ عن إغداق المديح للمجموعة المتشددة، مُشيدا بهجومها ضد إسرائيل باعتباره انتصارًا "ملحميا" أسفر عن "زلزال مدمر" في إسرائيل.
ونقل عن الزعيم الإيراني قوله في كلمة ألقاها أمام طلبة أكاديمية عسكرية في طهران بعد عدة أيام من وقوع الهجوم: "نقبّل جباه وسواعد العباقرة والشباب الفلسطيني" الذين نفذوا الهجوم.
ومن ثم، جاء دور وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان للتعبير عن موقف إيران، حيث حذر من أن إسرائيل وحلفاءها سيدفعون ثمنا غاليا إذا شنوا هجوما بريا على غزة، قائلا: "تطلب الولايات المتحدة من الآخرين التحلي بضبط النفس، بينما تضع هي ثقلها كاملا إلى جانب إسرائيل"، محذرا في مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ" من مقر بعثة إيران لدى الأمم المتحدة في نيويورك.
وأضاف: "إذا قرر الكيان الصهيوني [إسرائيل] دخول غزة، سيقوم قادة المقاومة بتحويله إلى مقبرة لجنود الاحتلال".
إن يكن في إحجام "حزب الله" عن الانخراط بشكل أعمق في الصراع مؤشر على موقف طهران، فإن قدرة إيران على عدم التورط بشكل مباشر في الصراع قد تكون قصيرة الأجل إذا نجح الإسرائيليون في تحقيق ما يريدون
وأعرب القائد العام للحرس الثوري الإيراني، الجنرال حسين سلامي، عن وجهة نظر مماثلة، حين قال إن الجيش الإسرائيلي ليس قادرا على مواجهة حماس، مشيرا إلى أن "الأرض هي قوة حماس، وإذا قاتلت حماس على الأرض، ستبتلع الإسرائيليين وستتحول غزة إلى مقبرة لهم".
وأدت إمكانية تعميق إيران لمشاركتها في النزاع بالفعل إلى نشر واشنطن مجموعتين من السفن الحربية التابعة للبحرية الأميركية في المنطقة لردع أي تصاعد آخر في الصراع.
وفوق ذلك، فإن احتمال تورط الولايات المتحدة وإيران بشكل مباشر في تصعيد التوترات العسكرية قد تبدى خطره من خلال سلسلة من الأحداث في الشرق الأوسط منذ أن بدأت حماس هجومها على إسرائيل.
وتشير التقارير إلى أن سفنا حربية أميركية اعترضت عددا من الصواريخ والطائرات دون طيار التي أطلقها المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران في وقت سابق من هذا الشهر، كما شنت الطائرات الحربية الأميركية غارات جوية على قاعدتين يستخدمهما الحرس الثوري الإيراني ردا على سلسلة من الهجمات التي شنتها الميليشيات المدعومة من إيران ضد المواقع الأميركية في سوريا والعراق.
واتهم البنتاغون رسميا الميليشيات المدعومة من إيران بتنفيذ 19 هجوما على الأقل على أفراد عسكريين أميركيين في العراق وسوريا خلال الأيام العشرة الماضية. ونتيجة لذلك، أصدر وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن تحذيرا مباشرا لطهران، طالبا منها عدم تصعيد الصراع.
احتمال تورط الولايات المتحدة وإيران بشكل مباشر في تصعيد التوترات العسكرية قد تبدى خطره من خلال سلسلة من الأحداث في الشرق الأوسط منذ أن بدأت حماس هجومها على إسرائيل.
وقال أوستن في بيان أصدرته وزارة الدفاع الأميركية بعد الضربات الأميركية إن "إيران تريد أن تخفي يدها وتنكر دورها في هذه الهجمات ضد قواتنا. ولكننا لن نسمح لهم بذلك. وإذا ما استمرت هجمات عملاء إيران ضد قوات الولايات المتحدة، فلن نتردد في اتخاذ إجراءات إضافية ضرورية لحماية شعبنا".
ولقيت تصريحاته صدى لدى الرئيس الأميركي جو بايدن أيضا، الذي أصدر تحذيرا مباشرا للمرشد الإيراني علي خامنئي، خلال مؤتمر صحافي يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول، بشأن موافقة إيران على هجمات ضد القوات الأميركية، قائلا: "حذّرت آية الله أنهم إذا استمروا في التحرك ضد تلك القوات، فسوف نرد، ويجب عليه أن يكون مستعدًا".
ومع تورط ميليشيا "حزب الله"، المدعومة من إيران، أيضا في عدد من الاشتباكات مع القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان، فلن يكون ممكنا بالتأكيد تجاهل خطر تورط إيران مباشرة في الصراع.
ومع ذلك، من المهم الأخذ في الاعتبار أن كثيرا من التهديدات الصادرة عن إيران وحلفائها قد تهدف في المقام الأول إلى مجرد إظهار دعمهم لحماس، وليس إلى استعداد حقيقي للانخراط في مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة أو إسرائيل.
وتبدى ذلك بجلاء في الاجتماع الذي عُقد مؤخرا في بيروت بين قادة "حزب الله" وجماعات "حماس" و"الجهاد الإسلامي" الفلسطينية، والتي تشكل معا ما يعرف بـ"محور المقاومة" ضد إسرائيل؛ ففي بيان صدر بعد القمة، أعلن القادة أن هدفهم هو تحقيق "انتصار حقيقي للمقاومة في غزة وفلسطين" ووقف "العدوان الغادر والوحشي لإسرائيل على شعبنا المظلوم والصامد في غزة والضفة الغربية".
ولكن على الرغم من عرض الوحدة ذاك، كانت هناك علامات واضحة على التوتر بين حماس وغيرها من أعضاء ما يسمى "محور المقاومة"، حيث يشكو كبار مسؤولي حماس من أن "حزب الله" لا يفعل ما يكفي لدعم معركته ضد قوات الدفاع الإسرائيلية.
مع تورط ميليشيا "حزب الله"، المدعومة من إيران، أيضا في عدد من الاشتباكات مع القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان، فلن يكون ممكنا بالتأكيد تجاهل خطر تورط إيران مباشرة في الصراع.
ولم يتأخر غازي حمد، عضو المكتب السياسي لـ"حماس"، حيث قال في مقابلة في اليوم التالي لقمة بيروت: "نحن نريد من الحلفاء أكثر" [مما يفعلون]، بما في ذلك "حزب الله".
وأضاف حمد في مكتب "حماس" ببيروت يوم الخميس: "حزب الله يعمل الآن ضد الاحتلال... نحن نقدر هذا، ولكننا نحتاج إلى المزيد لوقف العدوان على غزة… إننا نتوقع المزيد".
وإن يكن في إحجام "حزب الله" عن الانخراط بشكل أعمق في الصراع مؤشر على موقف طهران، فإن قدرة إيران على عدم التورط بشكل مباشر في الصراع قد تكون قصيرة الأجل إذا نجح الإسرائيليون في تحقيق ما يريدون.
وفي مقابلة مع "إيران إنترناشيونال"، أوضح سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان أن إسرائيل تعتزم مواجهة إيران بشأن دعمها لـ"حماس" والجماعات المسلحة الأخرى بمجرد انتهاء الهجوم العسكري على غزة، مشيرا إلى أن "نظام آية الله هو رأس الأخطبوط، وما حماس سوى أحد مخالبه. بمجرد أن ننتهي من هذه الحرب، سنتعامل مع هذا التهديد العالمي الذي تشكله إيران".
ومن المؤكد أن أي محاولة من جانب إسرائيل لتحدي إيران بشكل مباشر سوف تشمل حتماً الولايات المتحدة، التي كررت دعمها المطلق للدولة اليهودية، وبالتالي يمكن أن تؤدي إلى أعمال عدائية مفتوحة بين واشنطن وطهران.