لقرون طويلة ظلّت اللغة العربية هي اللغة الوطنية للفلسطينيين بلا منازع، لكنها لم تعد اليوم اللغة الأمّ بالنسبة إلى كثيرين في الشتات والمنافي. بعد أكثر من قرن على موجات الهجرة المبكرة إلى الأميركتين، وأكثر من سبعة عقود على نكبة 48، نشأت أجيال من الفلسطينيين في سياقات مختلفة، سواء داخل فلسطين أو إسرائيل أو العالم بأسره. وقد أدّى استمرار هذه الوضعية إلى انتشار الثقافة الفلسطينية، حيث نمت بالتزامن في اتجاهات متعدّدة، اعتمادا على السياق الجغرافي والسياسي واللّغوي.وبذلك لم تعد السردية الفلسطينية محصورة في اللغة العربية فقط. هناك جيل جديد من الكتاب والفنانين الفلسطينيين والمنحدرين من أصول فلسطينية، في كل من أميركا اللاتينية وأميركا الشمالية والدول الإسكندنافية وأوروبا عموما، بالإضافة إلى فلسطين وإسرائيل، يسردون قصصا عن تراثهم وعن الأمة الفلسطينية بلغات مختلفة مثل: الفرنسية والإسبانية والإيطالية والإنكليزية والدنماركية والعبرية، من بين عديد اللغات الأخرى.
في هذا السياق، يطرح كتاب جديد للأستاذ الجامعي والباحث الفلسطيني موريس عبليني، تحت عنوان "الوجود هناك، الوجود هنا: الكتابات الفلسطينية في العالم" (سيراكوس يونفرستي بريس، 2022)، خلاصات رحلة بحثية طويلة امتدّت على مدار 8 سنوات، استكشف فيها عبليني كيف تم تصوُّر الوطن الفلسطيني بلغات متعدّدة ومن مواقع متنوعة محليا وعالميا. يطرح الكتاب أيضا أسئلة مقلقة حول الوضع الثقافي الحالي، كما يتطلّع إلى المستقبل للتكهّن حول الكيفية التي قد تستمرّ بها الأمة الفلسطينية في استيعاب فكرة الوطن، خصوصا بالنسبة إلى حضور فلسطيني متنوّع بشكل متزايد عبر العالم.