بعد عقود كثيرة من الحظر والنكران والإهمال، في ظل الأنظمة القومية الشمولية التي حكمت سوريا، يُعيد أكراد سوريا منذ سنوات إحياء ثقافتهم المحلية، بمختلف أنواعها ونشاطاتها وأشكال تعبيرها. فأكراد سوريا، الذين تُقدر أعدادهم بحوالي 2.5 مليون نسمة، يشكلون 10 في المئة من مجموع السكان، وينتشرون في كامل جغرافيا شمال سوريا، بالذات في المناطق الشمالية والشرقية الحدودية، مع كل من تركيا والعراق، ويستحوذون منذ عام 2012 على نوع من الحُكم الذاتي المحلي، المحمي من قِبل قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، حيث تشكل "وحدات حماية الشعب" الكردي (YPG) نواتها الرئيسة، وهو الظرف الذي سمح لهم بممارسة هذا الإحياء.
كانت الثقافة الكردية محظورة تماما في سوريا قبل عام 2011؛ فالنظام بقيادة حزب البعث لم يكن حتى يعترف بوجود الأكراد في سوريا أساسا، وكامل منظومة الدولة السورية ومؤسساتها ووثائقها الرسمية كانت مبنية على العربية فحسب؛ فاللغة الكردية لم تكن تُدرس في أي من مستويات التعليم، وكان محظورا تأسيس أي معهد أو مدرسة خاصة باللغة الكردية. كذلك كانت وسائل الإعلام الحكومية والخاصة خالية تماما من أي شيء يتعلق باللغة أو الثقافة الكرديتين، ولم يكن مسموحا لشركات الإنتاج الفني والفرق الموسيقية والفنية أن تُقدم أي شيء باللغة الكردية، الأمر نفسه كان يتعلق بالنشر وتوزيع المواد المطبوعة. حتى بعض لقاءات المثقفين الأكراد، مثل مهرجان الشعر الكردي، أو الاحتفاء بيوم الصحافة الكردية، والتي عادة ما كانت تُعقد في بعض القرى النائية، كانت تُقمع من قِبل الأجهزة الأمنية السورية، ويُلاحق القائمون عليها.
لقد انقلب الأمر تماما بعد ذلك التاريخ؛ فاللغة الكردية أصبحت رسمية في كافة مناطق الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا، التي أُعلنت منذ أكثر من عشر سنوات، إلى جانب اللغتين العربية والسريانية، ومعها بعض اللغات الأجنبية. وصار النشر الإعلامي والثقافي والفني باللغة الكردية مُتاحا، وغالبا مدعوما من قِبل وزارات التربية والتعليم وهيئة الثقافة التابعة للإدارة الذاتية. وكنتيجة لذلك، واتصالا معه، ظهرت العشرات من الفرق الفنية والتجمعات المسرحية، وعُقدت وما تزال كثير من المهرجانات الأدبية والمسرحية والسينمائية، وإلى جانبها أفلام وثائقية ومسلسلات درامية وكُتب مطبوعة، كلها باللغة الكردية.