حرب غزة تكتم آلام الاقتصاد المصريhttps://www.majalla.com/node/303226/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84/%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%BA%D8%B2%D8%A9-%D8%AA%D9%83%D8%AA%D9%85-%D8%A2%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A
خفت اهتمام الشارع المصري بالانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في ديسمبر/كانون الأول المقبل، ولم تعد تأخد أي نصيب من الاهتمام والمناقشات في الوقت الراهن، وأصبح لا صوت يعلو على صوت الخطر المحدق بمصر وحدودها والمنطقة بأكملها. ونالت الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة "حماس" في قطاع غزة حيزا كبيراً من متابعات المصريين بعد هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الذي يُعدّ الأكبر لـ "حماس" منذ سنوات طويلة.
مع اختلاف الآراء، خفض الشارع المصري حديثه عن التحديات والصعوبات التي يشعر بها المواطنون في حياتهم اليومية، ولم يعد يبالي البعض بالقرارات الصعبة المتوقع اتخاذها عقب إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية المقبلة.
لم تعد الأزمة الاقتصادية والغلاء وارتفاع التضخم وتراجع التصنيفات الإئتمانية لمصر تتصدر المشهد كما كانت قبل 7 اكتوبر، إذ سيطرت التخوفات على المناقشات في الشارع، وبات الحفاظ على سيناء من ضغط التهجير القسري للفلسطينيين الشاغل الأساسي.
جاء قرار تقريب موعد الانتخابات أشهرا عدة لكي تتمكن الحكومة بعدها، وفق الخبراء، من تحرير سعرالجنيه واتخاذ قرارات صعبة، علماً بأن الغالبية قلقة والبعض متوجس من السياسات التي يدار بها اقتصاد الدولة، وما آلت إليه نسب التضخم
التداعيات على السياحة
تأتي الانتخابات في وقت تعاني البلاد اقتصادياً، كما فرضت الحرب الدائرة بين غزة وإسرائيل ضغوطاً أكثر على البلاد، ويخشى المصريون أن يؤدي تصعيد الهجمات على غزة إلى تدافع الفلسطينيين إلى سيناء، وبالتالي، إلى فرض واقع جديد يتمثل في إقامة كيان فلسطيني بديل، في وقت تتحرك مصر لمنع النزوح الجماعي، وتكثف اتصالاتها لتهدئة العنف المتصاعد في قطاع غزة.
ثمة ترقب في مصر القريبة من بؤرة الأحداث الملتهبة، لتداعيات تلك الأحداث على الاقتصاد ولا سيما السياحة التي تُعدّ من القطاعات الأكثر حساسية ورافداً من الروافد الأساسية للعملة الصعبة، ويُتوقَّع أن تحقق هذا العام إيرادات قياسية تصل إلى 14 مليار دولار، في حين تستهدف مصر مضاعفة عدد السياح خلال السنوات الخمس المقبلة، للوصول إلى 30 مليون سائح في عام 2028.
الانتخابات الرئاسية مستمرة رغم الحرب
وسط حالة الغضب الشعبي من استمرار القصف الذي تنفذه القوات الإسرائيلية على غزة، وسعي مصر لحقن الدماء، كل التوقعات تدعم نجاح الرئيس عبد الفتاح السيسي لفترة رئاسية ثالثة على الرغم من الأزمة الاقتصادية التي تشمل ارتفاعاً قياسياً في التضخم ونقصا في العملة الأجنبية.
لا تزال مصر تكافح وتجاهد من أجل سداد ديونها، في وقت تعاني الدولة من ضغوط اقتصادية ناجمة عن أزمة الدولار الذي تجاوزت قيمته في السوق الموازية 45 جنيها مصريا بعد عملية "طوفان الأقصى". ومن المرجح أن تكون لتلك الحرب تداعيات سلبية على اقتصاد مصر والمنطقة، وينتظر الجميع ما تحمله الأيام المقبلة حتى إجراء الانتخابات، بالتوازي مع أزمة اقتصادية قوية أطبقت على جيوب المصريين، وتسببت في تراجع قوتهم الشرائية جراء ارتفاع التضخم بمعدل قياسي يصل إلى ما يزيد على 40 في المئة، سواء نتيجة الأثر التراكمي للأزمات الدولية بعد جائحة "كوفيد-19".
كما كان تأثير الأزمة الجيوسياسية للحرب الروسية الأوكرانية كبيرا، وكانت مصر الأكثر تأثراً بها لأنها تستورد 70 في المئة من غذائها. وعلى الرغم من أن الحكومة حققت بعض التقدم في عدد من الملفات، لكنها أخفقت في البعض الآخر، مما خالف تمنيات المصريين وتوقعاتهم خلال السنوات المنصرمة، وكان له أثر في "مسارات النجاحات المختلفة" التي حققتها الدولة عقب برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي أبرمته القاهرة مع صندوق النقد الدولي عام 2016، وأشادت به مؤسسات التقييم للتصنيف الائتماني كلها والصندوق نفسه، إضافة إلى تراجع التمويل من قبل الجهات المانحة في ضوء صعوبة شروطه.
وجاء قرار تقريب موعد الانتخابات أشهرا عدة لكي تتمكن الحكومة بعدها، وفق الخبراء، من تحرير سعر العملة المحلية واتخاذ قرارات صعبة، علماً بأن الغالبية قلقة والبعض متوجس من السياسات التي يدار بها اقتصاد الدولة، وما آلت إليه نسب التضخم التي تتخذ منحى تصاعديا.
فرضت الحرب الدائرة في غزة ضغوطاً أكثر على البلاد، ويخشى المصريون أن يؤدي تصعيد الهجمات على القطاع إلى تدافع الفلسطينيين إلى سيناء
تؤثر الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها أي دولة في شكل كبير على مجرى أي انتخابات، سواء في مراحل الإعداد لها أو ما بعد إتمامها وظهور نتائجها، إضافة إلى طبيعة الوضع الديموقراطي الموجود في كل بلد، بحيث يختلف الأمر إذا كانت الانتخابات وليدة أحزاب متعددة وديموقراطية صحيحة ولدى مواطنيها وعي ثقافي، ولا توجد نسبة أمية مرتفعة، ولا وضع اقتصادي صعب.
الشكاوى متعاظمة من صعوبة المعيشة جراء تعويم العملة ثلاث مرات وهبوط سعر الجنيه وارتفاع الأسعار، وعدم السيطرة على الأسواق، وبات المواطن فريسة سهلة للتجار وجشعهم. وأصبحت الأزمة تضغط على الجميع سواء المواطن أو الحكومة التي تجد صعوبة في تعويم العملة كلياً قبل الانتخابات، لأن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع أكبر للتضخم.ولمواجهة الأزمة والتخفيف عن كاهل المواطنين أقر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حزمة حمائية بضخ 60 مليار جنيه لزيادة الرواتب. إلا أن أي زيادة أو إجراء تتخذه الحكومة للتخفيف عن المواطنين يخضع للتسييس الانتخابي. واعتبر البعض تلك الحزمة قراراً "استباقياً وتنسيقياً للتمهيد للمراجعة الأولى والثانية لصندوق النقد الدولي التي قد تجري عقب الانتخابات الرئاسية". واضطرت الحكومة للاختيار بين خفض قيمة العملة للمرة الرابعة قبل التصويت، أو إجراء الاقتراع الذي كان يفترض أن يتم خلال الأشهر الأولى من عام 2024.
لا يميل الشعب المصري بحكم تكوينه الثقافي والحضاري إلى التغيير، ولا يوجد حتى الآن في تاريخ مصر السياسي المعاصر كوادر سياسية ترفد الديموقراطية، لعدم وجود مصادر هيكلية وأحزاب ديموقراطية تتنافس في ظل الانفجار السكاني إلى ما يزيد على 105 ملايين نسمة، والروتين والبيروقراطية. لكن مصر حققت نجاحات في بعض النقاط، بيد أنها أخفقت في بعضها الآخر لاهتمامها الأول بالبنية التحتية على حساب الصناعة والزراعة.
في هذا السياق، يعتبر الخبير السياسي والمالي محمد عبد العال في حديث إلى "المجلة"أن قرار الرئيس السيسي البدء بالبنية التحتية على أن ينتقل مرحلياً إلى القطاعات الأخرى "مفهوم أثبت نجاحه في بعض الدول، فكيف يمكن لدولة أن تتوسع في الصناعة وتمنح القطاع الخاص حرية التشغيل من دون أن يتعين عليها أن تبني أولاً البنية التحتية، وتحمي الصناعة الرئيسية والاستراتيجية وغذاء المواطنين ثم تبدأ في نقل ذلك إلى القطاع الخاص؟". وقال: "هناك مشاكل وانتقادات للسياسات، ونقاط ضعف، لكن نقاط القوة كبيرة"، معتبراً الرئيس السيسي "الأصلح لإعادة استقرار الدولة، إلا أنه سيواجه شبكة عميقة من المشاكل الاقتصادية سواء كانت موجودة قبل المرحلة السابقة، أو ستفرضها المرحلة المقبلة". وأوضح أن هذه المشاكل الاقتصادية الصعبة "تدفع إلى الأمام والخلف معاً، لكن ليس معنى هذا أنها غير قابلة للحل، وإنما حلها يكمن في إنشاء الرئيس مجموعة اقتصادية متخصصة في حل تلك الأزمات بعيداً من البيروقراطية والروتين والأيادي المرتعشة من المترددين".
من أبرز المشاكل المزمع أن يواجهها الرئيس المقبل وحكومته الجديدة، مرونة سعر الصرف، وضغوط صندوق النقد بإجراء تعويم أو خفض للجنيه المصري مع عدم وجود سيولة دولارية لدعم التوجه في الخفض. هذا إلى جانب التضخم المتعاظم والذي فشلت آليات تحديد سعر الفائدة كلها في احتوائه، وبات يرفرف في معدلات قياسية بعيداً من الأهداف التي وضعها المصرف المركزي. وفي حال اللجوء إلى التعويم، سترتفع فاتورة الاستيراد ومعها التضخم، وتتفاقم الأزمة الاقتصادية، مع ضعف فاتورة التعليم والصحة والأدوية والعلاج، وتسريع برنامج الطروحات ونقل ملكيات عامة إلى القطاع الخاص، وتوطين الصناعة والزراعة والسياحة كأحد أهم مصادر النقد الأجنبي، وضرورة الحفاظ على تحويلات المصريين في الخارج وإبعادهم عن مصائد السوق الموازية وأباطرتها. وانخفضت التحويلات بنسبة 26,1 في المئة في الفترة بين يوليو/تموز 2022 ومارس/آذار 2023. من شأن بعض هذه المواجهات أن ينعكس سياسياً واقتصادياً واجتماعياً على الانتخابات الرئاسية وهي مشاكل كبيرة ومعقدة.
الحرب الدائرة حالياً والانتخابات الرئاسية المزمعة، اعطتا الحكومة المصرية فرصة لمراجعة قراراتها وفقاً لحديث الخبير الاقتصادي الدكتور مدحت نافعإلى "المجلة": "يأتي إحجام صندوق النقد عن منح مصر الشريحتين الثانية والثالثة، لأن الحكومة لم تدعُ اقتصاديي الصندوق وخبراءه لإجراء المراجعتين الأولى والثانية اللتين كانتا مقررتين في مارس/آذار الماضي، وجرى تأجيل ذلك حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية لكن ذلك غير معلن".وقال: "من المفترض مع إعلان المراجعة عقب الانتخابات أن تكون الدولة حققت ما جرى الاتفاق عليه من شروط، وتتضمن زيادة الحصيلة الدولارية للمساعدة في عملية تحريك العملة، لتظهر قدراً من المرونة ترضي الصندوق، الذي يترقب مدى المضي قدماً في التخارج الحكومي من النشاط الاقتصادي، وذلك كله مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحصيلة الدولارية. ومن الآن حتى انتهاء الانتخابات، من المفترض أن تركز المجموعة الوزارية الاقتصادية على ألا يكون تحريك العملة عنيفاً، في ظل ارتفاع التضخم". وانتقد نافع عدم اتخاذ المصرف المركزي الإجراء النقدي المناسب، إذ فضل تثبيت سعر الفائدة على الرغم من ارتفاع معدلات التضخم الأساسي في أغسطس/آب الماضي بما نسبته 40,4 في المئة سنوياً، ومواصلة اتجاهه الصعودي، وهي معدلات مرتفعة للغاية تقترب من ضعف مثيلاتها المحققة في العام الماضي، لافتاً إلى عدم اتخاذ الحكومة إجراءات تقشفية في سياساتها المالية كلجم الواردات غير الضرورية، وتأجيل المشاريع التي يمكن تأجيلها.
يأتي إحجام صندوق النقد الدولي عن منح مصر الشريحتين الثانية والثالثة، لأن الحكومة لم تدعُ اقتصاديي الصندوق وخبراءه لإجراء المراجعتين الأولى والثانية اللتين كانتا مقررتين في مارس/آذار الماضي، وجرى تأجيل ذلك حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية لكن ذلك غير معلن
الدكتور مدحت نافع، خبير اقتصادي
الانتخابات الرئاسية... والاستحقاق الزمني
كان من المتوقع إجراء الانتخابات في الأشهر الثلاثة الأولى من العام المقبل، لكن أحزاباً وسياسيين رأوا أن الجدول الزمني للانتخابات الرئاسية جاء منضبطاً ومتزناً للغاية، إذ راعى وضع توقيتات مناسبة لكل مرحلة من مراحل السباق الرئاسي، ولا سيما أن الانتخابات الرئاسية ليست وليدة اللحظة، اذ من المعروف أن هناك سباقا رئاسيا ستدخل فيه مصر نهاية السنة.
ويتفق أستاذ العلوم السياسية الدكتور طارق فهمي مع هذا الرأي، إذ اعتبر أن الانتخابات الرئاسية تجري وفق استحقاق زمني محدد، مرتبط بالهيئة الوطنية للانتخابات وإنفاذا لنصوص الدستور والقانون، وقال لـ"المجلة": "ليس ما جرى تقريباً لموعد الانتخابات الرئاسية بل هي تأتي قبل 120 يوماً كما حددها الدستور، فقد حددت الموعد مقررات الهيئة العليا للانتخابات، وهي من وضعت الإجراءات بدءاً من تقديم أوراق المرشحين إلى إعلان اسم رئيس الجمهورية الفائز في 16 يناير/كانون الثاني 2024، وبالتالي لا يوجد في تقديري ما يبرر إطلاقاً وصفها بالانتخابات مبكرة".
هناك إدراك مهم للمأزق الاقتصادي الذي يمر به العالم والإقليم شرط أن تكون هناك جدية وإرادة سياسية واقتصادية لمواجهة الإصلاح، مع ضرورة أن يكون هناك رؤية للتعامل مع صندوق النقد في آليات التفاوض والمراجعات وإتمامها
الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية
لكن مصر تمر بوضع اقتصادي متأزم، تتعامل معه الحكومة بقدر كبير من المهنية، واعتبر فهمي قرارات الرئيس السيسي الأخيرة زيادة الرواتب والأجور لأصحاب الحد الأدنى للدخل، إجراءات توفر حزمة اجتماعية وأمنية واقتصادية للأوضاع الراهنة لمصر، وأيضاً تأجيلاً لمراجعة صندوق النقد وخطابات الضمانات والتطمينات. "هذا يؤكد مضي مصر في الطريق الصحيح، ذلك أن مصر ليست في مأزق كما يتصور البعض". ولفت إلى أن هناك دولاً تمر بظروف اقتصادية وصفها بانها "أصعب" من ظروف مصر مثل الأرجنتين والبرازيل، وشدد على أن أمام مصر فرصاً جيدة إذا جرى توجيه البوصلة إلى قرارات مهمة.
وأشار فهمي إلى حاجة مصر في المرحلة المقبلة إلى تحديد جدول أعمال وأولويات، و"بالتالي هناك إدراك مهم للمأزق الاقتصادي الذي يمر به العالم والإقليم شرط أن تكون هناك جدية وإرادة سياسية واقتصادية لمواجهة الإصلاح، مع ضرورة أن يكون هناك رؤية للتعامل مع صندوق النقد في آليات التفاوض والمراجعات وإتمامها". وقال: "ثمة إجراءات عديدة تحتاج إلى مراجعة ومهمات تحتاج إلى ضوابط ومعايير للتحرك على المستويات كلها". لكن المصريين سيظلون يطرحون كثيراً من التساؤلات مثل إلى متى تستمر تلك الأسعار في الارتفاع والوقت الذي يستطيعون فيه تنفس الصعداء من الضغوط. لكن مع تصاعد الحرب الدائرة خلف الحدود مع غزة سيزداد الضغط على معيشتهم وأوضاعهم الاجتماعية.