أُعلنت الجمهورية التركية يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول 1923، على يد مصطفى كمال (أتاتورك)، زعيم القوميين الأتراك الذين انتصروا في حرب الاستقلال ضد الغزاة. وبنيت الجمهورية الجديدة على أنقاض الإمبراطورية العثمانية، وقد ورثت تاريخا ضاربا في القدم مع كثير من الاضطرابات والنقائص وأمة أنهكتها الحروب المستمرة.
بدأ أتاتورك في بناء دولة متقدمة، واختار كنموذج لها الغرب الصناعي التقدمي على الشرق المتداعي. وخلال العقدين التاليين، ألغى مؤسسو الجمهورية الخلافة، وألغوا الطوائف والتجمعات الدينية. وقاموا بتكييف قانون مدني جديد، وتحولوا إلى الأبجدية الغربية وحلت الملابس ذات النمط الغربي محل النمط الشرقي. وأدى نظام التعليم العلماني والعلمي إلى رفع معدل محو الأمية تدريجيا من حوالي 10 في المئة فقط.
وفي عام 1934، اتُخِذت الترتيبات القانونية والدستورية لمنح المرأة حق التصويت والترشح للانتخابات. وكانت تركيا من أوائل الدول في العالم التي قامت بذلك، وكان قيام دولة إسلامية باتخاذ خطوة كهذه أمرا مهما ومثيرا للإعجاب.
وبُنيت الطرق وخطوط السكك الحديدية والمصانع والمرافق الصناعية كجزء من الجهود المبذولة لبناء اقتصاد حديث. واليوم، بعد مرور 100 عام، باتت تركيا واحدة من أكبر الاقتصادات في العالم، مع ناتج محلي إجمالي رَبَا على 900 مليار دولار عام 2022.
لم يكن الأمر سهلا، إذ واجهت الجمهورية كثيرا من التحديات، داخليا وخارجيا. فعلى الجبهة الداخلية، تحدت الأحزاب السياسية والحكومات المحافظة المتعاقبة كثيرا من مبادئ الجمهورية، ولا سيما العلمانية. وفي ظل حزب العدالة والتنمية، الذي يحكم تركيا منذ عام 2002، أصبح الخطاب والممارسات الدينية أكثر قوة.
ومنذ خمسينات القرن العشرين، أحدثت الهجرة واسعة النطاق من المناطق الريفية إلى المدن تغييرات كبيرة في البنية الاجتماعية والاقتصادية، وأثرت بشكل كبير على المشهد السياسي.
شكّل سكان المدن والقرويون المحافظون في الغالب النواة الأساسية وقاعدة الناخبين للأحزاب السياسية المحافظة. وطُرح مزيج من الإسلاموية والعثمانية والقومية الدينية كبديل للنظام القومي العلماني للجمهورية.
بدأت الجمهورية التركية كدولة استبدادية يقودها حزب واحد وتحولت بعد ذلك إلى دولة ديمقراطية، مع إجراء أول انتخابات متعددة الأحزاب عام 1950.
وعلى الرغم من الانقلابات العرضية، نجت الديمقراطية التركية، وأعاد الجيش دائما السلطة إلى الحكم المدني. ومع ذلك، كان الجيش، الذي يرى نفسه حارسا للجمهورية، يراقب بشكل حذر السياسة والسياسيين، إلى أن قام حزب العدالة والتنمية بتقييد سلطاته من خلال مزيج من الأساليب.
ومنذ ذلك الحين، اتخذت مختلف أطياف المحافظين والعناصر الدينية موقفا هجوميا مستوحى على الأغلب من حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان. وشكل رفع القيود عن الحجاب، الذي أصبح رمزا للإسلام السياسي، وافتتاح آيا صوفيا كمسجد عام 2021، انتصارات كبيرة ورمزية.
وكان لتركيا أهمية جيوسياسية كبيرة طوال تاريخها، كما كان الحال مع الإمبراطورية العثمانية وغيرها في السابق. فخلال الحرب العالمية الثانية، استخدم الرئيس الثاني للجمهورية، عصمت إينونو، جميع المهارات الدبلوماسية لإبقاء تركيا خارج الحرب، التي اعتبر أنها ستكون مدمرة للجمهورية الحديثة.