- في المقابل، صعدت أصوات داخل الوسط المسيحي وبيئة أحزابه اليمينيّة، تدعم الفلسطينيين دون لبس.
إيسامار لطيف، صحافية ومقربة من "الكتائب"، تقول "آسفة أنّني أنتمي لفئات مسيحية في لبنان تواصل نبش القبور وفتح تاريخ المجازر مع الفلسطينيين، مثل مجزرة الدامور، مع العلم أن لجوء الفلسطينيين إلى لبنان كان في كنف ورعاية آل الجميل (المؤسسون لحزب الكتائب)".
وتوضح "تضامني مع الشعب الفلسطيني لا يعني تأييدي لحماس أو أي جهة سياسية. أنا متضامنة مع شعب تتضاعف معاناته منذ 75 سنة. قضية الشعب الفلسطيني هي قضية إنسانية في المقام الأول ولا تحتمل استنسابية المواقف".
حملة "مقاطعة" للتضامن مع غزة في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين في بيروت، لبنان، 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وتستعيد لطيف مجازر وقعت بحق الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا والضبية وتل الزعتر وغيرها، لتستنتج "مَن فتح الدفاتر القديمة يتحدّث من منطق حاقد ثأري لا يصبّ في مصلحة لبنان. أنا ممن يتضامنون مع أبناء وأحفاد تلك الحروب وهم أبرياء، فلماذا نحملهم أخطاءنا السياسية؟".
وفي السياق، تنتقد تعامي هذا الخطاب عن "فرصة تاريخية لعودة للفلسطينيين إلى أرضهم، وإفراغ سلاح حزب الله من مشروعيته".
وتختم بأنّ كل شخص تملي عليه مسيحيته العداء للفلسطينيين أو الشماتة بهم يخالف رسالة السيد المسيح.
ثالثا- عروبة طرابلس وفلسطين
تشهد مدينة طرابلس شمال لبنان حالة تضامن شامل وغير قابل للنقاش مع الفلسطينيين، يكاد يطغى على القلق حول حرب محتملة في لبنان.
وتبرز هذه التفاعلات على أكثر من مستوى، وثمة عائلات أعلنت عن استعدادها لفتح أبواب بيوتها لاستقبال النازحين من جنوب لبنان.
وفي المقاهي والتجمعات الشعبية، تشغل فلسطين الأحاديث، وتحتلّ أحداثها الشاشات الصغيرة. كما تنظّم التجمعات النقابية والمهنية وقفات تضامن يوميّة، وانطلقت مسيرة شعبية كبيرة ضمّت المئات بعد صلاة الجمعة الماضية من الجامع المنصوري الكبير وجابت الساحات المركزية.
وتتموضع هذه الحالة فوق الحروب والموازين المحورية التي أزكت عداوات سنية-شيعية وزرعت خصومة ضد حزب الله في مركز السنة بلبنان.
ولا عجب أن تتبنّى طرابلس القضية الفلسطينية بشكل قطعيّ في مدينة قامت على تنشئة عروبيّة، فأدارت ظهرها للبحر وربطت وجدانها وسياستها بالداخل العربي ودافعت عن قضاياه دون تحفظ.
وكانت طرابلس تاريخيا أكثر مدينة لبنانية دعمت القضية الفلسطينية وأعطتها كتفا منيعا تتكئ عليه. وبدأ هذا المسار منذ نكسة 1967، وتبلور بداية السبعينات مع "المقاومة الشعبية" المسلحة التي أسسها القائد اليساري المحلي خليل عكاوي (أبو عربي) والذي كان مقرّبا من الرئيس ياسر عرفات (لجأ الأخير إلى طرابلس مع قواته في 1982 إثر الاجتياح الإسرائيلي لبيروت).
ويحضر اليوم طيف أبو عربي باعتباره رمزا للنضال الشعبي من أجل المظلومين في فلسطين وفقراء طرابلس.
وفي هذه المناطق الشعبية، نتعرف إلى حسن، شاب من "القبضايات"، وكان ممن سارعوا بتوزيع البقلاوة للمارة صبيحة "طوفان الأقصى" احتفالا بـ"إنجاز" اختراق غلاف غزة.
نازحون من جنوب لبنان يجلسون عند مدخل مدرسة محلية تستخدم كمأوى لمدينة صور الساحلية الجنوبية، لبنان، 23 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
يرتدي حسن بدلة قتالية وينشر صورته على مواقع التواصل ملثما بالكوفية وبيده سلاح حربي. يقول إنّه مستعد للحرب مع أخوانه في غزة، وإنّ "أبو عبيدة"، الناطق باسم "كتائب القسام، مثاله الأعلى وهو القائد الذي يتشرف به على عكس الزعماء والساسة في طرابلس غير المكترثين سوى لمصالحهم الخاصة.
رابعا- الجنوب المُسلم والمقاوم
تتواصل حركة النزوح من قرى الجنوب الحدودية التي تفرغ تدريجيا من أهلها، ويقصد بعضها مدينة صور التي فتحت مدارسها للنازحين برعاية المجتمع الأهلي واتحاد بلديات صور التي تمتلك خبرة إغاثية من حرب يوليو. وبعض العائلات تلازم شققها في "الضاحية" التي تشكل معقل الجنوبيين في بيروت.
من بين هؤلاء بتول بزي (28 سنة)، صحافية من قرية بنت جبيل الحدودية. تعلم بتول أن بيتها في الجنوب قد يتعرّض لغارة ويدمر في أي لحظة. تحدّثنا عن خوف طبيعي يشعر به كل إنسان، ولكنه "يلتئم بتسليم مطلق ويقين تام بقدرة حزب الله في الدفاع عنّا".