ضربات أميركية "حكيمة" لميليشيات إيران في سوريا... حتى الآنhttps://www.majalla.com/node/303081/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%B6%D8%B1%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D8%AD%D9%83%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%84%D9%8A%D8%B4%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D8%AD%D8%AA%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A2%D9%86
في 26 أكتوبر/تشرين الأول، نفذت الولايات المتحدة غارات جوية على موقعين خارج البوكمال شرقي سوريا، ردا على 10 هجمات منفصلة شنتها الميليشيات المدعومة من إيران ضد القوات الأميركية في سوريا، و13 في العراق المجاور، والتي أسفرت عن إصابة ما لا يقل عن 21 من أفراد الخدمة منذ ذلك الحين.
وجاءت هذه الهجمات بعد هجوم "حماس" على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، والذي تسبب في سقوط 1400 ضحية واحتجاز أكثر من210 رهائن، بينما ارتفعت وتيرة الضربات الإسرائيلية في سوريا بشكل ملحوظ، بما في ذلك تسع غارات جوية على الأقل على سوريا وقصف مطاري حلب ودمشق مرارا، فضلا عن إطلاق النار غير المباشر على مواقع في جميع أنحاء جنوب غربي سوريا. فإذا أخذنا بعين الاعتبار الزيادة الكبيرة في الهجمات ضد الولايات المتحدة في سوريا والعراق وتنامي حشد القوات الإسرائيلية على طول حدود غزة لشن توغل متوقع، لحق لنا أن نخمّن أن ارتفاعا في مستوى القتال على طول الحدود الشمالية لإسرائيل قد غدت مرجحة أكثر فأكثر.
وبينما تدرس إسرائيل خياراتها أثناء العمل مع حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين لإخراج الرهائن المتبقين من غزة، يجب على واشنطن أن تستمر في كونها عنصر اتزان وحكمة في سوريا، فتقوم بتعزيز سبل الردع من خلال الضربات الدقيقة طوال الوقت مع الابتعاد عن سلم التصعيد الذي يؤدي إلى حريق إقليمي مدمر مع إيران، يمكن أن يشمل حلفاء الولايات المتحدة وخصومها على حد سواء.
يجب على واشنطن أن تستمر في كونها عنصر اتزان وحكمة في سوريا، فتقوم بتعزيز سبل الردع من خلال الضربات الدقيقة طوال الوقت
في حين أن الهجمات التي تشنها الميليشيات المدعومة من إيران ضد القوات الأميركية في سوريا ليست ظاهرة حديثة، إلا أنها كانت على مدار هذا العام في ارتفاع واضح من حيث عددها وتعقيدها، وخاصة من خلال نشر طائرات دون طيار. وتكشف البيانات مفتوحة المصدر والموثقة جيدا، التي تتتبع أنشطة الميليشيات الإيرانية عن ثلاث هجمات صاروخية منفصلة على قواعد أميركية في سوريا شهر يناير/كانون الثاني 2023، تلتها ثلاث طائرات دون طيار في 20 يناير/كانون الثاني أدت إلى إصابة اثنين من جنود شركاء أميركا في سوريا. ويبدو أن تلك كانت مرحلة اختبار من قبل الميليشيات المدعومة من إيران لاستخدام مثل هذه الأنظمة في الأيام الأخيرة.
وفي أعقاب إسقاط القوات الأميركية طائرة دون طيار أخرى في 14 فبراير/شباط، أدى هجوم إيراني بطائرة دون طيار على قاعدة الرميلان الجوية في 23 مارس/آذار إلى مقتل مقاول أميركي وإصابة آخر مع خمسة أفراد عسكريين أميركيين. ودفع هذا الحادث الرئيس بايدن إلى إصدار أوامر بشن غارات جوية على مواقع مرتبطة بالجماعات المدعومة من الحرس الثوري الإيراني شرقي سوريا. وطوال الفترة المتبقية من العام، اعتمدت الميليشيات الإيرانية في الغالب على الهجمات الصاروخية، وقعت إحداها في فبراير/شباط، وثلاث أخرى في مارس/آذار، وحوادث متفرقة في أبريل/نيسان، وأغسطس/آب.
ومع ذلك، بدءا من 19 أكتوبر/تشرين الأول، كان هناك تصعيد ملحوظ في هجمات الميليشيات الإيرانية بطائرات دون طيار تستهدف القوات الأميركية، وهو ما يفسر على الأرجح الارتفاع الكبير في الإصابات التي لحقت بالأفراد الأميركيين في الأيام الأخيرة. ورغم أن هذه الأحداث تتزامن مع أعقاب الهجوم الإرهابي من "حماس" على إسرائيل، إلا أن آثارها في سوريا مختلفة، فهي تأتي في أعقاب انتفاضة القبائل العربية ضد قوات سوريا الديمقراطية، شريكة الولايات المتحدة التي يقودها الأكراد. وبحسب ما ورد، فقد استغلت إيران وحليفتها روسيا هذا الوضع للضغط على القوات الأميركية لمغادرة سوريا. وقبل الانتفاضة مباشرة، اشتبكت روسيا في أفعال تصعيدية شرقي سوريا، بما في ذلك مناورات عدائية ضد قواعد عسكرية أميركية مما تسبب في تلف طائرات دون طيار.
ضربات إسرائيلية
إلى ذلك، شهدت العمليات العسكرية الإسرائيلية في سوريا زيادة كبيرة في الحجم والوتيرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول. وتتوافق هذه الزيادة في النشاط الإسرائيلي مع ارتفاع هجمات الميليشيات المدعومة من إيران على القوات الأميركية في سوريا. وثمة تقارير تفيد بأنه، منذ بداية عام 2023 وحتى 7 أكتوبر/تشرين الأول، نفذت إسرائيل 28 غارة جوية على الأقل في سوريا، شملت أربع غارات على مطار حلب، وواحدة على أكبر مطار في البلاد، وهو مطار دمشق الدولي. وفي العشرين يوما الماضية فقط، نفذت إسرائيل تسع غارات جوية في سوريا، استهدفت مطار حلب بأربع غارات ودمشق بضربتين، مما أدى إلى تعليق العمليات الجوية فعليا في هذه المواقع.
وعادة ما تكون الضربات الإسرائيلية على المطارات السورية ردا على شحنات الأسلحة الإيرانية التي تمر عبر هذه المطارات، وتكون في طريقها إلى الميليشيات المدعومة من إيران والمتمركزة في جميع أنحاء سوريا و"حزب الله" في لبنان المجاور.
ولا تزال كثير من التقارير مفتوحة المصدر تشير إلى أن الجماعات المدعومة من إيران ما انفكت تقترب نحو إسرائيل في سوريا منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، وهو ما يفسر على الأرجح زيادة نشاط الضربات الإسرائيلية. وتشمل هذه التقارير تقريرين على الأقل عن تحرك ما بين 250 إلى 1000 مقاتل من جبهة الحشد الشعبي من العراق إلى سوريا ولبنان عبر البوكمال ودير الزور وحمص. ويقال إن معظم المقاتلين عراقيون، ولكن بينهم أفغان وإيرانيون أيضا. ويشير تقرير آخر إلى أن وحدة العمليات الخاصة التابعة لـ"حزب الله" اللبناني "وحدة الرضوان" وصلت إلى محافظة درعا الشمالية المتاخمة للقنيطرة وحدود الجولان، مع طائرات دون طيار مضادة للدروع وطائرات إيرانية الصنع. وفي مكان أبعد، يشير تقرير آخر إلى تحرك وحدات العمليات الخاصة الأخرى التابعة لـ"حزب الله" اللبناني، بما في ذلك "الوحدة 313" في محطة الضخ "T2" جنوب غربي دير الزور.
ولتنظيم هذه الوحدات، يشير تقرير آخر إلى أن الميليشيات المدعومة من إيران، والفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد شقيق الرئيس بشار الأسد، أنشأتا مؤخرا مقرا خاصا جديدا لاجتماعات واستقبال الوفود العسكرية الإيرانية واللبنانية والعراقية في دير الزور. وثمة تقارير بأن مسؤول الفرقة الرابعة في محافظة دير الزور، العميد عبدالكريم حمادة، هو المشرف المباشر على هذا المقر المعروف محليا باسم "مضافة الحاج فاضل". ويشير التقرير إلى أن حمادة مقرب من الحرس الثوري الإيراني وقادة "حزب الله" اللبناني، ومعه نواف البشير، زعيم ميليشيا الباقر الموالية لإيران والأسد في دير الزور.
أخيرا وليس آخرا، تشير تقارير متعددة إلى أن الجماعات المدعومة من إيران تقوم بنقل مستودعات الأسلحة والأفراد لتجنب زيادة الضربات الإسرائيلية.
شهدت العمليات العسكرية الإسرائيلية في سوريا زيادة كبيرة في الحجم والوتيرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول
في ضوء الزيادة الكبيرة في نشاط الميليشيات الإيرانية منذ 18 أكتوبر/تشرين الأول والغارات الجوية الإسرائيلية منذ بدء أزمة غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول، حافظ الجانبان حتى الآن على مستوى من الدقة والسيطرة في ردودهما. ومع ذلك، إذا اختار الإسرائيليون التوغل البري في غزة، أو في حال تكرار حوادث مثل انفجار المستشفى الأهلي العربي في غزة، قد يصبح الحفاظ على استجابات محسوبة صعبا أكثر فأكثر.
كيف تحافظ أميركا على رباطة جأشها؟
لكن يتعين على الولايات المتحدة أن تستمر في لعب دور حكيم ومتزن في هذه الأزمة، وليس فقط إدارة هذه الأزمة وإدارة ردود فعلها وردود فعل حلفائها على استفزازات "حماس" والجماعات المدعومة من إيران، وعليها أيضا تسهيل العلاقات بين الحلفاء الإقليميين المتباينين مثل إسرائيل وقطر اللتين تحاولان إعادة الرهائن المحتجزين إلى بيوتهم في أقرب وقت ممكن.
وفيما يتعلق بسوريا على وجه التحديد، تشير الغارات الجوية الإسرائيلية على أكبر مطارين في سوريا، الخاضعين اسميا لسيطرة نظام الأسد، إلى أن الرسائل التي أرسلتها واشنطن إلى الأسد عبر الإمارات العربية المتحدة، تحثه على عدم السماح لإيران بتصعيد أنشطتها من سوريا، ربما لم تلقَ أذنا صاغية. ولئن كان ذلك يشير إلى شيء، فإلى أن قدرة الأسد على كبح التصرفات الإيرانية دون تدخل عسكري خارجي تظل محدودة في أحسن الأحوال. ومن المرجح أن تكون هناك حاجة إلى إجراءات إضافية في الأسابيع والأشهر المقبلة.