القاهرة: لم يكن طه حسين مجرد أديب أو مفكر مصري ساهمت كتابته في إثراء المكتبة العربية بالعديد من الدراسات والمؤلفات، كما لم يكن مجرد أستاذ جامعي كبير تخرّج من تحت يديه وتعلم منه الكثير من الأدباء والمفكرين والعلماء، ولكنه كان حالة خاصة واستثنائية، إذ جمع بين الفكر والأدب والثورة والاستنارة، واستطاع أن ينقل مصر والعالم العربي فكريا وثقافيا إلى مكان آخر، لم يكن ممكنا الوصول إليه لولا جهوده، كل ذلك وهو الفقير المولود من أسرة صعيدية بسيطة، الذي عانى من كونه كفيفا منذ صباه، ولكنه استطاع أن يقاوم كل العقبات ويتجاوز كل الصعوبات، بل ويصبح ذلك العلم البارز والاسم الأبرز في الثقافة العربية (منذ حصوله على الدكتوراه في 1918) طوال عقود.
وربما يكون السؤال الأكثر ورودا اليوم، بعد مرور خمسين عاما على رحيل العميد، هل بقي أثره طوال هذه الفترة؟ وهل استطاعت الثقافة العربية على اتساعها واختلافها أن تستفيد من تجربته وجهوده وأن تقرأه على النحو الأمثل؟ هل استفادت الأجيال الجديدة من تراث طه حسين ومن أفكاره النقدية التقدّمية؟ هل تعرفنا على المستقبل من خلال كتابته وإشاراته التي كتبها منذ أكثر من سبعين عاما؟ ومن جهة أخرى كيف تناول النقاد والباحثون تراث طه حسين وتعاملوا معه؟
قراءات متجدّدة
ظهر في السنوات الأخيرة عدد من القراءات والكتب التي تناولت طه حسين بشكل مختلف، ليس فقط للتعريف به وبآثاره، فقد غدت أعماله من أشهر الكتب في مجالاتها المختلفة، سواء في السيرة الذاتية ("الأيام") أو في النقد ("في الشعر الجاهلي") أو في الرواية ("دعاء الكروان") أو التاريخ الإسلامي ("الوعد الحق" و "الفتنة الكبرى") أو في الفكر والثقافة ("مستقبل الثقافة في مصر")، ولكن تلك الكتابات جاءت لإضاءة جوانب أخرى من سيرة طه حسين ومسيرته، وإزالة ما دار حولها من شبهات وافتراءات سواء كان معاصرا لها أو ما كتب عنه بعد وفاته.