هناك من يقول حاليا إن فن الذكاء الاصطناعي ليس فنا، لأن الكومبيوتر هو الذي يقوم بكل شيء، وهذا صحيح إلى حد ما، لكن ليس كليا، فالذكاء الاصطناعي يستطيع أن يقلد أعمال فيها مشاعر الفنان لكنه لا يستطيع خلق تلك المشاعر. لهذا باستطاعة الفنان أن يستخدم الذكاء الاصطناعي كأداة فنية، مثلما استخدم الكومبيوتر من قبل، لكن إن أنتج الكومبيوتر أعمالا فنية فهناك خطر أن تتشابه الأعمال الفنية، لذا حرصت على بصمة معينة وهو ما يجعل الناس يميّزون العمل عند رؤيته، فالفنان المتمرس والمتمكن لا المقلد يعرف كيف يستخدم الكومبيوتر والذكاء الاصطناعي كأداة فنية مثل معرفته باستخدام الفرشاة والسكين والكانفس والألوان، وأنا أشدّد على القول إن من يستخدم برامج الكومبيوتر هو الفنان لا العكس، والقيمون الفنيون الذين يدفعون مئات الآلاف أو الملايين لقاء الأعمال الفنية يستطيعون التفريق بين الفنان وغير الفنان.
في بداية استخدامي برامج الذكاء الاصطناعي التقيت الكثير من الناس الذين قالوا لي إنه بات في وسع أيّ كان أن يكون تشكيليا، وهذا غير صحيح، فليس كل شخص يأتي بأدوات تقليدية ويرسم يصبح فنانا تشكيليا، والأمر ذاته ينطبق على الذكاء الاصطناعي.
خرجت أحيانا من أسلوب الفن الرقمي ومارست النحت، لماذا؟
أزاوج دائما بين قدراتي الفنية، حتى منحوتاتي ليست ببعيدة عن فن الكومبيوتر ربما أبدأ بقلم رصاص أي بالأساليب التقليدية، وحين أرى الرسم مكتملا أنتقل إلى الكومبيوتر، وبعد ذلك أخرجها إلى الأجهزة التي أقص بها الحديد من الملفات التي نفذتها على الكومبيوتر، وبعد القص ألحم الحديد ومن ثم أكمل العمليات الأخرى. أي أن لديّ قدرة على التعامل مع كل الخامات الموجودة، وإذا انعدم وجود الكومبيوتر لديّ يدي والورقة والقلم، فقد سعيت إلى تطوير كل أسلوب من أساليبي على مدى أكثر من ثلاثة عقود، ولا أزال أعتبر نفسي تلميذا، خاصة أني لم أسمح للكبرياء والكسل والغرور بأن تنخر عقلي. دائما ما أبحث عن العلم وكل سنتين أو ثلاث أبني كومبيوترا بموصفات عالية بنفسي والأمر نفسه ينطبق على أدوات النحت، وعلى ألوان الزيت والأكريليك.
هلا أوضحت لنا طريقة استخدام مبادئ اللوحة التقليدية في الفنّ الرقمي؟
ما يقلل قيمة أعمال الديجيتال هو سهولة نسخها، لذا أقدم باستمرار نسخة واحدة من العمل، هناك على سبيل المثل عمل لي عُرض في سفارة الإمارات في إحدى الدول وتعرض للتلف بسبب الأمطار الغزيرة، فهاتفتني السفارة لكي أعطيها نسخة من اللوحة، فأجبت لا يمكن أن أعطيكم نسخة منها، لكنني سأنجز لوحة أخرى بديلة. بحسب المعايير نفسها، إن كنت قد أنتجت منحوتة وانكسرت فهل سأعيد بناء المنحوتة نفسها؟ بالطبع لا، فمن أجل أن أزيد قيمة أعمالي أتلف الملفات الأصلية ولا يمكنني أن أعيد طباعة أعمالي.
لكن هناك صورا للوحاتك...
العمل الذي أتلفه يكون بمعايير معينة، فإن قررت أن تكون مساحة العمل مترين، أترك نسخة صغيرة جدا منه، لأجل الإعلام والفعاليات والمراجع، لكن إن سُرق هذا الملف وحاولوا طباعته بالمقاس الأصلي فسيظهر مشوشا.
- الى أي مدى تشعر أن أفكارك تصل إلى الجمهور، وهل ترضى عن تفسيراته؟
الفنان غير مطالب بتفسير أعماله، فعند إنجاز العمل الفني يظهره للعالم مثل الكائن الحي الذي يمتلك أسلوبه ومشاعره، ويتكلم بشخصيته وعباراته التي تختلف باختلاف المشاهد. ذات يوم رسمت رجلا يجلس في الزاوية وينظر إلى الصور الفوتوغرافية وسمّيته "أحلم بالمالديف" وقد رسمته خلال متابعتي أحداث إحدى الحروب في دولة عربية، ولم أكن أستطيع فعل شيء سوى النظر إلى الجرائم التي ترتكب، فكنت أحبس نفسي أمام الكومبيوتر وكان على سطح الكومبيوتر صورة للمالديف، فرسمت رجلا شبه عار يقتعد الأرض في غرفة بلا نوافذ ولا أبواب وهو ينظر إلى صورة المالديف وهي الصورة نفسها الموجودة على سطح كومبيوتري. كنت أشعر أنني سجين عاجز عن فعل شيء وأنظر بألم شديد الى أخواني البشر وهم يمرون بهذه الظروف، وليس لديّ قدرة على مساعدتهم، هناك من رأى العمل وفسّره بأنني أروّج للمالديف، وتذكر شخص آخر حربا جرت في بلاده وهي غير الحرب التي كنت أتناولها وأدمعت عيناه ألما لتذكره أهلا وأصحابا فقدهم في تلك الحرب، فلوحتي خاطبته بطريقة وخاطبت سواه بطريقة أخرى، ومن غير المنطقي أن أقول لأي مشاهد إن تفسيرك خطأ، فالمتلقي حر أيضا في تأويلاته.