الإحالات الى المحرقة التي ارتكبتها المانيا النازية بحق اليهود الاوروبيين، "الهولوكست"، تكاد لا تتوقف منذ بدء الحرب في غزة. مقالات صحافية وتصريحات لسياسيين وشخصيات أكاديمية، تشبه هجوم "حماس" وما رافقه من قتل للمدنيين الاسرائيليين بالحملة الشاملة التي أطلقها ادولف هتلر لمحو الوجود اليهودي من الاراضي التي سيطرت المانيا عليها اثناء الحرب العالمية الثانية.
عدد من الكتاب الاسرائيليين، على غرار توفا هرزل في "يديعوت احرونوت"، حذر من المقارنة لإنها تفقد المحرقة فرادتها التاريخية. بيد أن المقارنة لا تركز على ما يراه اسرائيليون وغربيون من تشابه بين ما أصاب سكان "غلاف غزة" وبين ما انزلته النازية باليهود الاوروبييين فحسب، بل يرمي الى تبرير الرد الاسرائيلي الذي لا يستثني امكان تدمير قطاع غزة برمته وتهجير اهله الى سيناء وسط اتهامات لهم بأنهم "حيوانات بشرية" على ما قرر وزير الدفاع الاسرائيلي يواف غالانت.
وكل مقاربة للهولوكست تتطلب ارتداء قفازات سميكة لئلا يفسر الكلام على انه معاداة للسامية وتحريض على اليهود. لكن ما يجب ان يقال بوضوح هو ان المحرقة التي لم تنجح شرائح واسعة من الجمهور العربي والنخب العربية في ادراجه ضمن عدتها الفكرية والسياسية لمواجهة اسرائيل بل اتخذت منه مواقف اقل ما يقال فيها انها ملتبسة، هو في المقام الاول جريمة ارتكبتها اوروبا ضد يهودها. تأييد المانيا النازية الذي اظهرته بعض الجماعات العربية قبل واثناء الحرب العالمية الثانية، لا يرقى الى المستوى الذي جعل من معاداة السامية سياسة رسمية لدول عدة في اوروبا في ثلاثينات واربعينات القرن الماضي، وصلت ذروة تطبيقها العملي الى معسكرات الابادة سيئة الذكر.
المقارنة لا تركز على ما يراه اسرائيليون وغربيون من تشابه بين ما أصاب سكان "غلاف غزة" وبين ما انزلته النازية باليهود الاوروبييين فحسب، بل يرمي الى تبرير الرد الاسرائيلي الذي لا يستثني امكان تدمير قطاع غزة برمته وتهجير اهله الى سيناء وسط اتهامات لهم بأنهم "حيوانات بشرية" على ما قرر وزير الدفاع الاسرائيلي يواف غالانت
الاعتداءات التي تعرض لها اليهود في دول عربية تمتد من العراق (الفرهود على سبيل المثال) الى المغرب مرورا ببلاد الشام ومصر، تشبه في طبيعتها "البوغروم" التي كانت سلطات روسيا القيصرية وغيرها تحرض مواطنيها من غير اليهود على ارتكابها لاسباب سياسية داخلية. لا يعني ذلك التقليل من خطر ما شهدته الدول العربية من انتهاكات لكن سياقها التاريخي لا يتصل بما اعتمل في خلفية قرار "الحل النهائي" الذي تبنته القيادة النازية في 1942.
القوى العربية والفلسطينية المعنية، لم تقدر اهمية الهولوكست في تكوين الوعي الاسرائيلي ومساهمته في تبرير وتفسير وجود الدولة العبرية ذاتها والاصرار الذي جعله اليمين الاسرائيلي بمثابة "فعل ايمان" بيهودية الدولة. وخدمت القوى العربية هذه عن جهل او عن علم، لا فرق، "صناعة الهولوكست" (بحسب عنوان كتاب نورمان فنكلستين الشهير) وادخلت المقاربة "الجهادية" للصراع العربي الاسرائيلي في طريق مسدود لا مكان فيه للسياسة او التسوية او الحلول.
بذلك، وجد العرب والفلسطينيون ان قضيتهم انتقلت من حيث لا يدرون، من قضية تحرر وطني يخوضها سكان سلبت ارضهم منهم وطردوا الى المنافي، الى حملة مشروع خلاصي لا افق حقيقيا له في هذا العالم.
من هنا يتعين ادراك الخلفيتين اللتين تصدر منهما المواقف الغربية والعربية حيال ما يجري في غزة: الغرب الذي ارتكب الجريمة الاكبر في تاريخ التصفية العرقية المنهجية ضد اليهود كمجموعة دينية وثقافية، يريد من العالم ان يسايره في موقفه من العقاب الجماعي غير القانوني الذي تحمل اسرائيل عبئه لمليونين ونصف مليون فلسطيني في غزة. في المقابل، وعلى الرغم من سوء التقدير العربي لاهمية المحرقة وتردد البعض في ترداد دعاية بلهاء ومكلفة سياسيا لها، فإن العرب يرون في الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي حالة منفصلة عن السياق الغربي النابع من المحرقة والارث الطويل لمعاداة السامية هناك.
جد العرب والفلسطينيون ان قضيتهم انتقلت من حيث لا يدرون، من قضية تحرر وطني يخوضها سكان سلبت ارضهم منهم وطردوا الى المنافي، الى حملة مشروع خلاصي لا افق حقيقيا له في هذا العالم
عليه، يمكن فهم تلك الحملة الشرسة على منع ادراج هجوم "حماس" ضمن اي سياق غير ذاك الذي اختارته حكومة بنيامين نتنياهو وسار الغرب فيه لتأكيد توبته عما ارتكب حتى لو كان الثمن قتل المدنيين الفلسطينيين وتدمير مدنهم وسط اصرار غريب على تهجيرهم من ارضهم مرة جديدة. بل ان رد الفعل الهستيري على اعلان الامين العام للامم المتحدة ان هجوم "حماس" "لم يولد من عدم"، يصب (رد الفعل) في اطار الحيلولة دون بروز اي رأي يضع ما يحدث في اطاره التاريخي الخاص بالشرق الاوسط والمنفصل عن السياق الاوروبي والغربي للعلاقات بين اليهود والاوروبيين.