"لو كنت أعلم"، تلك المقولة الشهيرة للسيد حسن نصرالله الأمين العام لـ"حزب الله"، كلفت لبنان عام 2006 نحو 1,200 ضحية غالبيتهم الساحقة من المدنيين ونحو أربعة آلاف من الجرحى المصابين جسديا ومئات الآلاف من المتأذين نفسيا، وعشرات الآلاف هاجروا بلا عودة. قدرت الخسائر المباشرة بثلاثة مليارات دولار، الى عشرات المليارات من الخسائر غير المباشرة والفرص الضائعة لاستثمارات هاجرت بلا عودة، وخسر عشرات الآلاف وظائفهم، ودمر أكثر من 125 ألف شقة سكنية ومنزل ومتجر، ناهيك بتدمير البنى التحتية من جسور ومحطات مياه وكهرباء واتصالات ومدارج ومصانع ومستشفيات ومدارس، اضيفت اعباؤها الى الديون السابقة واللاحقة المتراكمة مع فوائدها.
للتذكير، قتل في تلك الحرب نحو 156 جنديا إسرائيليا و41 مدنيا، ولم يتأثر الاقتصاد الاسرائيلي بالنزاع، بل شهد بعدها قفزات نمو وتطور صناعي وتكنولوجي هائل، فيما كانت الفاتورة باهظة جدا على لبنان، انسانيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا، دفعتها البلاد وجرجرت ذيولها لسنوات، على الرغم من تدفق المساعدات الخليجية خصوصا في حينه، وما تلاها من مساندة في"مؤتمر باريس 3" عام 2007 (الذي اجهضت نتائجه لاحقا)، لتغطية الخسائر والنفقات وإعادة إعمار ما دُمِّر في حرب تموز/يوليو بين "حزب الله" وإسرائيل بعد خطف "الحزب" جنديين إسرائيليين آنذاك، من أجل تحرير الأسير سمير القنطار الذي قتل لاحقا في عام 2015 في معارك الحزب في سوريا.

استمرت حرب تموز/يوليو 33 يوما، لكن آثارها لا تزال متمادية حتى يومنا هذا، وفاتورتها المالية والسياسية، تصب ولا شك في حسابات الانهيار الشامل المتمادي، بما فيها الفساد والقصور في الخدمات، والضعف في النمو، واستنزاف الموارد المالية، إضافة إلى هيمنة منظومة الحزب التي لم تزد البلاد إلا فسادا وخرابا، تحت شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة".
رعب غير مسبوق من التداعيات...
نحن ذاهبون اليوم، على ما يبدو، إلى ما يشبه، بل إلى ما يفوق خيال الأفلام، وتراجيديا الأساطير في تكرار الحروب والهزائم والخسائر والأوهام، ولا سيما بعد فاجعة الانفجار شبه النووي لمرفأ بيروت التي لم تشف البلاد منها بعد.
يبادر "حزب الله" منذ اندلاع الحرب في غزة، بتوجيه رسائل حربية نوعية، وهي رسائل تتصاعد حدتها يوما بعد يوم، وتتصاعد معها المخاوف من انزلاق لبنان إلى جهنم جديدة، ربما ستشكل ضربة قاضية لما تبقى من الكيان اللبناني الذي يصارع للبقاء منذ ما يزيد على أربع سنوات مع بدء الانهيار المالي والمصرفي الفظيع، وغير المسبوق في 17 اكتوبر/تشرين الأول 2019.