في المفاوضات التي سبقت التوقيع على ميثاق الأمم المتحدة في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية سنة 1945، اتفق مندوبو الدول العربية الخمس– مصر والسعودية والعراق وسوريا ولبنان– على إضافة بند للنص المقترح على أن الأعضاء المؤسسين فيها هم "دول مستقلة استقلالا تماما وناجزا، ولا يجوز إخضاع هذه الدول لأي نظام من أنظمة الوصاية أو الانتداب".
وضع هذا النص لأجل سوريا ولبنان بالتحديد، لكونهما كانا تحت الانتداب الفرنسي منذ سنة 1920. وتعهد مندوب السعودية ووزير خارجيتها الأمير فيصل بن عبد العزيز آل سعود، بوضع كامل ثقل بلاده خلف مطلبهما؛ فلم تكن السعودية، ولا سوريا، ولا لبنان، أعضاء في عصبة الأمم التي سبقت منظمة الأمم المتحدة. وحده العراق انضم إليها سنة 1932 وتبعته مصر سنة 1937.
فارس الخوري يوم التوقيع على ميثاق الأمم المتحدة
نجح العرب سنة 1945 في فرض نصهم المقترح على الميثاق، الذي وقع يوم 26 يونيو/حزيران 1945 في مقر مخصص لتخليد ضحايا الحرب العالمية الأولى في سان فرانسيسكو. وقّعت مصر أولا، وبعدها- وبحسب أحرف الهجاء- كل من العراق ولبنان والسعودية وسوريا. وعند التوقيع قال رئيس الحكومة السورية ورئيس وفدها فارس الخوري باللغة الإنكليزية: "أرجو أن تكون قوة الحق في هذه المنظمة أقوى من حق القوة". ثم وجه كلامه للأمير فيصل مستشهدا بأبي بكر الصديق، أول الخلفاء الراشدين، حين قال: "سيكون قويهم ضعيفا عندي حتى آخذ الحق منه، ويكون ضعيفكم قويا حتى آخذ الحق له". أعجب المندوبون العرب ببلاغة الخوري واستشهاده بشخصية إسلامية كالصديق– لكونه (الخوري) مسيحيا من أتباع المذهب البروتستانتي– وكثيرا ما كان يستشهد أيضا في خطبه الأممية بحكمة الخليفة عمر بن الخطاب.
وبعد سنوات علق الخوري في حديث مع الصحافي محمد الفرحاني: "كانت (لحظة توقيع الميثاق) أجل لحظة في حياتي السياسية" ويعود له الفضل في اختيار شعار الأمم المتحدة الحالي، خريطة العالم وسط إكليل من شجرة زيتون، حيث كان رئيسا للجنة التي أقرته عام 1947.
تغيب رئيس وزراء لبنان
بحضور المندوبين العرب، أُقر ميثاق الأمم المتحدة بعدها بأشهر، في 24 أكتوبر/تشرين الأول سنة 1945، وهو اليوم المتعارف عليه منذ ذلك الحين بيوم الأمم المتحدة. وهو في اليوم نفسه الذي كان زملاؤهم مجتمعين في فندق سان ستيفانو في الإسكندرية لاستكمال مبادئ جامعة الدول العربية التي كان توقيع ميثاقها يوم 22 مارس/آذار من العام نفسه.