ترفض منطقة الشرق الأوسط مغادرة صدارة الأحداث في العالم، ولا سيما أن أغلب أحداثها حروب ودماء ودمار. كانت المنطقة تتجه نحو هدوء واستقرار نسبي، وبدأ الحديث عن شراكات اقتصادية مع الصين وتنافس بين بلدان المنطقة بشأن مشاريع استراتيجية تربط آسيا بأوروبا عبر بلدان الخليج العربي. إلا أن هجوم "طوفان الأقصى" الذي نفذته حركة "حماس" ضد المستوطنات الإسرائيلية يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، والهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، أعادا المنطقة إلى صدارة نشرات الأخبار، لنعود إلى مشاهد الموت والدمار مرة أخرى.
الهجوم والحصار الإسرائيلي ضد قطاع غزة، ليس الأول من نوعه، لكن ربما يختلف هذه المرة وقد يطول ولن ينتهي إلا بأعداد مهولة من الضحايا، ودمار مرعب. فعملية "طوفان الأقصى" أنتجت جرحا عميقا في غرور منظومة الدفاع والاستخبارات الإسرائيلية، وأثبتت أن اتفاقات السلام هشة ما لم تتضمن ايجاد حل لقضية الفلسطينيين. فالحرب ستبقى بين كَر وفر، ولا نهاية لها.
الحرب الحالية أخطر من سابقاتها، فقد نقلت ساحة المعركة من الجيش الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية، إلى معركة بين المجتمع الإسرائيلي وتلك الفصائل. ومن هنا بدأت حركة "حماس" باستخدام استراتيجية الإسرائيليين في تهديد وضرب المجتمع الفلسطيني بعد كل عملية عسكرية تقوم بها "حماس"، وتحولت المعركة بين الحركة والجيش الإسرائيلي إلى معركة بينه وبين الفلسطينيين جميعا. ومن ثم، فإن تكتيك توسيع ساحة الحرب من خلال اختراق أمن المستوطنات، يحرج القيادات السياسية والعسكرية في إسرائيل، ويعقد الدعوة إلى المفاوضات، إلا بعد أن يكون هناك رد عسكري مدمر على غزة و"حماس"، يتصور القادة الإسرائيليون من خلاله أن بإمكانهم ترميم صورتهم أمام مجتمعهم.
وخطورة هذه الحرب أيضا، تكمن في احتمالية توسع رقعتها؛ فالمنطقة الآن لم تعد الدول هي من يتحكم بقرار الحرب فيها، وإنما الفاعلون الرئيسون فيها هم جماعات وعناوين لا علاقة لها بالدولة، لا بل تتغول على الدولة في بلدان مثل العراق ولبنان. ولذلك سيكون قرار المشاركة في الحرب غير مرتبط بالحكومات في هذه البلدان. لذلك ربما لن تبقى محصورة بين إسرائيل ضد غزة، عندما تفتح جبهات أخرى في جنوب لبنان. أو ربما تتحول إلى حرب إقليمية إذا تدخلت إيران.