تحت عنوان "عصر الشدائد الكبرى" نشر الموقع الرسمي لبطريركية الروم الأرثوذكسية بالقدس منشورا كُتب فيه: "لقد كان الزمن عصيبا على بطريركية أورشليم حتى فتح عمر بن الخطاب أورشليم وأعطى المسيحيين وبطريركهم القديس صفرونيوس بطريرك الملّة الملكيّة أي (الروم) مرسوم اعتراف مميز (العهدة العمريّة) يُثبّت فيه أن بطريرك الروم هو القائد الروحي لسائر المسيحيين في فلسطين، وحتى لغير الأرثوذكسيين، وهذا بحدِّ ذاته ميثاق شرف يمنحه درجة مميّزة بين رؤساء المسيحيين بأن يكون متقدما عليهم، حيث أعفاه من الجزية وقدّم له الأمن والأمان على كنائسه وأملاكه، وأمر سلاطين وحكّام المسلمين الذين يأتون من بعده العمل على ذلك".
تشير البطريركية هنا إلى الحادثة التاريخية التي غيرت تاريخ فلسطين، وتاريخ بيت المقدس، حين قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أرض فلسطين عام 15 للهجرة، بطلب من أهل إيليا، الذين اشترطوا أن يسلموا المدينة إلى خليفة المسلمين بنفسه، وليس إلى أي قائد عربي آخر، فجاء عمر من المدينة المنورة على بعيره ومعه غلامه، ودخل بيت المقدس صلحا دون إراقة دم واحدة، في مشهد بقي عالقا في ذاكرة تلك الأرض المقدسة، وذاكرة أبنائها من الأديان المختلفة.
وصل عمر إلى بيت المقدس في مشهد أفاضت المصادر التاريخية في وصفه والحديث عنه، عن ذلك القائد العربي الذي كانت جيوشه تقتحم آفاق العالم شرقا وغربا، واسقطت الإمبراطورية الفارسية عن بكرة أبيها، وحاصرت الإمبراطورية البيزنطية في أعز ممالكها، جاء الرجل في مشهد مذهل من التواضع والزهد والهدوء والبعد عن الأبهة، وحين وقف أمام أعتاب القدس، لم يفكر في الانتقام أو سفك الدماء، أو حصد المكاسب المادية والثروات، وكان بمقدوره ذلك، لكن مهمته كانت أسمى وأرقى، كانت حضارية إنسانية، تتمثل في إعادة الأمور إلى نصابها، وتقديم ميثاق أخلاقي خالد يكون نموذجا ملهما لكل الأجيال والأمم التي تأتي بعده، وكأنه يريد إعادة التوزان إلى هذه الأرض المقدسة التي كانت منذ الأزل موطنا للديانات ومسرى الأنبياء.