في قصيدته "على هذه الأرض" يذكر الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش أسبابا عدة ليبرر بأن ثمة ما يستحق الحياة على أرض فلسطين، ومنها "خوف الغزاة من الذكريات"، وهذا السبب، على الأرجح، هو ما دفع القائمين على معرض فرانكفورت للكتاب في ألمانيا، وبضغط إسرئيلي، خفي أو معلن، لحجب التكريم عن الروائية الفلسطينية عدنية شبلي، وروايتها "تفصيل ثانوي"، التي تحفر عميقا في الذاكرة الجريحة لتعيدنا إلى صيف العام 1949 مستعيدة وقائع جريمة وقعت، آنذاك، في صحراء النقب، بعيدا من العدسات والصحافة الفضولية، كانت ضحيتها فتاة بدوية فلسطينية اغتصبت وقتلت.
وعلى الرغم من أن الكثير من الروايات والأفلام، التي تناولت القضية الفلسطينية، تتضمن جرائم مماثلة بل أكثر منها قسوة، غير أن رواية "تفصيل ثانوي"، الصادرة عن دار الآداب (بيروت 2017) تعد أحد أكثر الأعمال الأدبية هدوءا وموضوعية، فهي مكتوبة بنبرة خافتة تخلو من الشعارات الكبرى، ومن السرد الانفعالي المباشر، ومن أي "حماس ثوري"، إن جاز التعبير، ولعل ذلك ما أثار حفيظة "الناقمين" على هذه الرواية القصيرة المؤلفة من 127 صفحة، والتي استغرقت نحو اثني عشر عاما من الكتابة والحذف والإضافة والتعديل، وفقا للكاتبة في تصريحات سابقة، حتى تخرج في صيغتها الأخيرة المتخفّفة من أي ثقل آيديولوجي أو سياسي أو أي بعد تحريضي، الأمر الذي تغدو معها اتهام الرواية بـ "معاداة السامية"، وفقا لبعض القراءات، مجرد "دعابة سمجة" لا تستحق الرد أو النقاش.
جريمة في صحراء النقب
"لم يكن هنالك ما يتحركّ عدا السراب. مساحات شاسعة جرداء تعاقبت حتى السماء مرتجفة تحت وقعِه بِسُكون، فيما كاد ضوءُ شمس العصر الحاد أنْ يمحوَ الخطوط التي رسمت مرتفعاتها الرملية باهتة الصفرة. كان كل ما يمكن تمييزه من تفاصيل هذه المرتفعات هو حدود واهنة الْتَوَتْ على غير هدى في انحناءات وانعطافات متباينة، تخلّلتها ظلال رفيعة لنبات البِلّان الجاف وللحجارة التي رقّطت التلال. عدا ذلك، لا شيء على الإطلاق، فقط امتداد هائل لصحراء النقب القاحلة، التي جثم فوقها قيظ شهر آب"، بهذه اللغة الشاعرية تفتتح شبلي روايتها لتقود القارئ في رحلة سردية سرعان ما تتراجع خلالها هذه الشاعرية عندما تنشغل بإحياء صوت منسي لفتاة بريئة لا ذنب لها سوى أنها وجدت في المكان والزمان الخطأ.