أكثر من عشرة ايام مرت على بدء عملية "حماس" (طوفان الأقصى) على إسرائيل، والتي أدخلت فلسطين والعالم في دوامة متجددة من العنف والدم والقتل، من شأنها بشكل قاطع أن تغير كثيرا من الحسابات السياسية وتعيد رسم شرق أوسط جديد، ليس ضروريا بالمعنى الجيد للكلمة.
وفي حين تتصارع إسرائيل وإيران وأذرعها على تحقيق انتصارات عسكرية ودبلوماسية قبل إعلان وقف أخير لإطلاق النار، ربما تظل الحرب الحقيقية والأشرس في القبض على سردية الحرب وما تنتجها من أساطير مؤسسة لكل مشاريع سياسية واستثمار في الدم، من شأنها التأسيس لمواجهات مقبلة وقطع الطريق أمام أي طرح مغاير لثقافة العنف والحرب.
سنة 1989 نشر المفكر الأميركي فرنسيس فوكوياما مقالته الشهيرة، التي تحولت بدورها إلى كتاب بعنوان "نهاية التاريخ والإنسان الأخير"، وطرح عبرها أنه مع سقوط المنظومة الاشتراكية وجدار برلين فإن الديمقراطية بقيمها الليبرالية والحرية الفردية والاقتصادية قد انتصرت، أطروحة بطبيعة الحال سقطت مع تعاقب الأحداث وصعود الإسلام السياسي بنسخته ومشاريعه المتعددة والتي أعادت فصل العالم إلى قطبين، "فسطاطين" أو أكثر. وفي هذا السياق تبدو عملية "حماس" الخاطفة والأسلوب المسرحي والهوليودي الذي انتهجته في "العبور"، تبدو نوعا من نظرية "نهاية التاريخ"، ولكن بنسخة محور الممانعة الذي ينظر إلى الديمقراطية والليبرالية والمساواة والسلام كقيم غربية دخيلة على بيئة العالم الإسلامي.
منذ اللحظات الأولى لعملية "حماس"، قامت إيران ومن يتبعونها بإطلاق سردية لمرحلة ما بعد الحرب، والتي تروج لـ"عملية حماس البطولية" التي أتت ضمن سياق العدالة الإلهية والانتقام من الشعب الإسرائيلي، وليس فقط سياسة اليمين وحكومات بنيامين نتنياهو، بسبب قمعهم واضطهادهم للشعب الفلسطيني والشعوب العربية بشكل عام.
اللافت أن توقيت عملية "حماس" تزامن مع ذكرى حرب أكتوبر/تشرين الأول والتي تعد من لحظات النصر النادرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي التي سمحت لمصر باستعادة قسم من أراضيها المحتلة بالقوة ومهدت الطريق أمام محادثات السلام.
أما حسب سردية إيران، فالتاريخ يبدأ مع قبض الخميني على السلطة. أما المقاومة الحقيقية لـ"الشيطان الأكبر والشيطان الأصغر" فقد بدأت مع "الحرس الثوري" الإيراني وفصيله اللبناني "حزب الله". حيث إن الثورة الإسلامية في لبنان- كما كان علم "حزب الله" القديم يدعي- هي التي قاتلت العدو الإسرائيلي الذي اجتاح لبنان سنة 1982، دون ذكر الدور الرئيس لـ "جبهة المقاومة الوطنية" اللبنانية العابرة للطوائف والتي قاومت الاحتلال دون منّة على الشعبين اللبناني والفلسطيني، ودون فرض أي طريقة حياة أو آيديولوجيات دخيلة على طريقة عيشهم.