وجدد الرئيس المصري الأربعاء رفضه للتهجير القسري للفلسطينيين، مؤكدا خلال مؤتمر صحافي مشترك مع المستشار الألماني أولاف شولتز في القاهرة أن "نقل المواطنين الفلسطينيين من القطاع إلى سيناء يعني، نقل فكرة المقاومة والقطاع من غزة إلى سيناء". وأشار السيسي إلى منع دخول المساعدات الإغاثية إلى قطاع غزة وقال إن مصر لم تغلق معبر رفح الحدودي منذ بداية الحرب بين حركة حماس وإسرائيل، محملا مسؤولية ذلك إلى "القصف الإسرائيلي".
وقال السيسي خلال مؤتمر صحافي مع المستشار الألماني أولاف شولتز في القاهرة "فكرة تهجير الفلسطينيين من القطاع (غزة) إلى مصر، يعني حدوث أمر مماثل وهو تهجير للفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن، وبالتالي فكرة الدولة الفلسطينية التي نتحدث عنها غير قابلة للتنفيذ".
وأوضح السيسي أن "نقل المواطنين الفلسطينيين من القطاع إلى سيناء يعني (..) نقل فكرة المقاومة والقطاع من غزة إلى سيناء"، مشيرا إلى أن شبه الجزيرة المصرية "ستصبح بالتالي قاعدة لانطلاق عمليات ضد إسرائيل التي من حقها الدفاع عن نفسها".
متطوعو المنظمات الإنسانية ينتظرون خارج بوابة رفح الحدودية، 17 أكتوبر 2023
وكان السيسي قد أرسل رسالة واضحة حول رفض بلاده لخطة نقل غزة قبل ثلاثة أيام من لقائه بلينكن؛ ففي ختام حفل تخرج الكليات العسكرية بالقاهرة، طلب الزعيم المصري من سكان غزة عدم مغادرة منازلهم أبدا. وقال إن مصر تستضيف ما يقرب من 9 ملايين لاجئ فروا إلى الأمان والسلام فيها من الحروب في وطنهم. لكن الوضع في غزة مختلف، كما رأى.
وقال السيسي: "هذه هي قضية كل القضايا والهم الأول للعرب جميعا ومن المهم أن يظل شعبها (الفلسطينيون) صامدين وأن يبقوا على أرضهم".
وقال وزير الخارجية المصري، سامح شكري، الشيء نفسه تقريبا، عقب اجتماعه في القاهرة مع وزيرة الخارجية الفرنسية، كاترين كولونا، يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول، حيث قال إن مصر ترفض تصفية القضية الفلسطينية. ودعا إلى تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بشكل شامل من خلال إقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وتأتي هذه التأكيدات المصرية في أعقاب مطالبة الجيش الإسرائيلي سكان شمال غزة بالمغادرة إلى الجزء الجنوبي من القطاع المحاصر بالقرب من الحدود مع سيناء. وتحاول مصر منع نزوح سكان غزة إلى سيناء من خلال ضمان إيصال المساعدات الإنسانية والضروريات الأساسية إلى جنوب غزة.
ولكنها واجهت حتى الآن معارضة إسرائيلية لدخول المساعدات فجعلت خروج سكان غزة من حاملي الجنسية المزدوجة خارج المنطقة مشروطا بدخول هذه المساعدات.
دروس التاريخ
لقد كانت مصر أول دولة عربية توقع السلام مع إسرائيل عام 1979. ويقول مراقبون مصريون إن مصر، برفضها دخول سكان غزة إلى سيناء، تتعلم درسا من التاريخ في ما يتعلق بنقل الفلسطينيين من أراضيهم في الماضي، خاصة بعد عام 1948، فقد فر آلاف الفلسطينيين إلى الدول العربية المجاورة، خاصة سوريا ولبنان والأردن، بعد هزيمة الجيوش العربية عام 1948 وقيام إسرائيل، مما فتح الباب أمام تهجيرهم الدائم.
وقال حسن سلامة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن سكان غزة يواجهون الاحتمال نفسه الآن.
وأضاف المحلل السياسي، حسن سلامة، لـ"المجلة" إن "الفلسطينيين سيفقدون أحلامهم في الدولة بمجرد أن يفقدوا أرضهم"، مذكرا بأن "الفلسطينيين الذين فروا إلى دول عربية أخرى بقوا طيلة حياتهم نازحين ولم يسمح لهم أبدا بالعودة إلى بلادهم".
ووصف النقل المحتمل لسكان غزة إلى سيناء بأنه "نكبة جديدة" في طور التكوين.
ويتخذ أكثر من 100 ألف فلسطيني حاليا من مصر مقرا لهم، حيث عاش الكثير منهم هناك لعدة عقود.
وربما تشعر إسرائيل بالندم على قرارها بفك الارتباط وسحب قواتها من غزة عام 2005، فقد سمحت هذه الخطوة لحماس بفرض سيطرتها على الأراضي الفلسطينية والنمو، الأمر الذي يشكل تهديدا كبيرا لإسرائيل.
شاحنات تحمل مساعدات إنسانية من المنظمات غير الحكومية المصرية للفلسطينيين، تنتظر إعادة فتح معبر رفح على الجانب المصري لدخول غزة
وربما يعتقد القادة العسكريون الإسرائيليون أن استعادة السيطرة على غزة يمكن أن تحمي المدن الإسرائيلية من هجمات حماس. ولكن الحقيقة أن إسرائيل ستواجه تحديات هائلة في حكم غزة، حتى لو نجحت في القضاء على حماس وبنيتها التحتية، بالنظر إلى عدد سكانها الذي يزيد على 2.3 مليون نسمة.
ولهذا السبب، ربما تفكر إسرائيل في إعادة توطين سكان غزة قسرا في شبه جزيرة سيناء لتسهيل سيطرتها على المنطقة. وقد تكون هناك أيضا خطط لنقل ثلاثة ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية المحتلة، ربما إلى الأردن المجاور، مما ينهي فعليا أحلامهم في إقامة دولة فلسطينية.
لكن مصر تعارض بشدة مثل هذه السيناريوهات، وهي في ذلك لا تهدف إلى حماية تطلعات الدولة الفلسطينية فحسب، بل تعتبر أيضا سلامة أراضيها أمرا مقدسا.
وخلال اجتماع عقد يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول، شدد مجلس الأمن القومي المصري على أن الأمن القومي المصري "خط أحمر"، وتعهد باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لحمايته.
وقال اللواء المتقاعد في الجيش المصري، نصر سالم، إن مصر لا تسمح بأدنى العبث بأراضيها. وأوضح اللواء سالم، الذي كان ضابطا شابا في حرب الاستنزاف التي مهدت الطريق لحرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 وتحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلي، لـ"المجلة": "عندما يتعلق الأمر بأمنها القومي، لا تتقبل مصر أي تدخل من أي كان"، مضيفا أن "أحدا لا يستطيع الحصول على حبة من رمل سيناء".
ولم تتعامل مصر قط مع وحدة أراضيها باستخفاف، معتبرة أن هذه الوحدة عقيدة مقدسة في حد ذاتها كدولة. وعندما احتلت إسرائيل سيناء عام 1967، كان المصريون على استعداد للقتال لمدة مائة عام لاستعادة أرضهم.
كما حاربت مصر التشدد الإسلامي في سيناء على مدى السنوات العشر الماضية، ولم تستطع أن تهدأ حتى يتم سحق فرع من تنظيم داعش في سيناء بالكامل.
الميزة الخاصة
والأكيد أن مصر محاور مهم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتتمتع باتصالات جيدة مع تل أبيب ورام الله وغزة. ولكن القاهرة فقدت في السنوات القليلة الماضية جزءا من جاذبيتها كقوة إقليمية في ظل ظروفها الاقتصادية الصعبة وانشغالها بإطفاء الحرائق في جوارها المباشر، خاصة في السودان وليبيا، وكفاحها لحماية حصتها في مياه نهر النيل، حيث قامت إثيوبيا ببناء سد ضخم لتوليد الطاقة الكهرومائية فوق النهر.
واليوم تأتي أزمة غزة لتعيد بريق القاهرة الباهت، وتثبت مرة أخرى أنه لا يمكن أن يكون هناك سلام في المنطقة دون مصر.