قبل نحو قرن من الزمان؛ تنبأ الفيزيائي البريطاني العبقري بول ديرك بوجود مادة غامضة في الكون سماها "المادة المضادة". قال إن المادة المضادة (Anti-Matter) هي نظير غامض للمادة العادية. فبينما تتكوّن المادة من ذرّات، تدور فيها الالكترونات السالبة الشحنة حول النواة الموجبة الشحنة، فإن المادة المضادة تتكوّن من الكترونات موجبة الشحنة تدور حول نواة سالبة الشحنة.
منذ ذلك الحين، يحاول العلماء فهم "المادة المضادة" وطريقة استجابتها للقوى الأساسية في الكون، ومن ضمنها قوى الجاذبية، ويقول بعضهم إن الجاذبية، التي تُسقط المواد العادية إلى أسفل، تؤثر بشكل معكوس على المادة المضادة، أيّ ترفعها إلى أعلى.
غير أن بحثا تجريبيا جديدا، نُشرت نتائجه في دورية "نيتشر" المرموقة، فك شيفرة أحد أكبر ألغاز الفيزياء في العالم، إذ يقول إن "المادة المضادة" لا تفلت من تأثير الجاذبية، إذ تسقط إلى أسفل، شأنها شأن المواد العادية.
ما هي"المادة المضادة"؟
وجود "المادة المضادة" هو نتيجة أساسية لقوانين فيزياء الجسيمات والتناظرات التي تحكم الكون. إذ تنشأ بشكل طبيعي كصورة مرآة للمادة العادية بسبب التماثلات في القوى الأساسية للطبيعة.
أحد المبادئ الأساسية في فيزياء الجسيمات هو مفهوم التماثل، إذ تُظهر قوانين الفيزياء تناظرا ملحوظا بين المادة و"المادة المضادة".
فلكل نوع من الجسيمات في المادة العادية (مثل الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات)، جسيم مضاد له الكتلة نفسها ولكن بشحنة معاكسة وببعض الخصائص الأخرى. تشمل هذه الجسيمات المضادة البوزيترونات (الإلكترونات المضادة)، والبروتونات المضادة، والنيوترونات المضادة، وغيرها.
في بداية الكون، ولّد الانفجار الكبير مقدارا متساويا من المادة و"المادة المضادة". من المفترض أن تتحد المادتان الواحدة مع الأخرى وتتلاشيا بشكل كامل، إلا أن ما حدث غير ذلك. فقد تغلبت المادة العادية - بشكل ما غير معروف - على "المادة المضادة"، التي لم تعد متوافرة في كوننا المرئي، ومن غير الواضح تماما سبب ذلك، الأمر الذي أدى الى وجود خلل في التوازن بين المادة والمادة المضادة في الكون.