غزّة: مهما كان نوع المسكن، فإن الإنسان يجد الهدوء والسكينة بمجرد جلوسه بين جدران بيته.
في غزة جاءت حرب أكتوبر/ تشرين الأول، لتلغي هذه الفكرة، فمنذ بدايتها، بات الغزّي، مهددا بفقدان حياته، في انهيار سقف منزله وجدرانه عليه، في أية لحظة، بسبب القصف الأسرائيلي الذي لا يتوقف، برا وبحرا وجوا.
تتلاصق البيوت في غزة مربعات لعبة البازل، لا مساحات ولا مسافات بينها، وفي كل بيت وبناية، تتشارك العائلات المساحة، فالأب والأم والأبناء المتزوجون، والأحفاد، قد يكونون جميعا في المكان نفسه. ولعلّ هذا يساعد الجميع على فهم حجم الكارثة، فبمجرد سقوط صاروخ إسرائيلي على أي بناية، تكون النتيجة عشرات القتلى والجرحى، ورمية الجندي الإسرائيلي تعد رمية نرد صائبة بالنسبة إليه في كل الأحوال، فلا مجال أن يخرج الصاروخ صفر اليدين، وهو ما يفسّر تخطي عدد ضحايا حرب أكتوبر على غزة، الثلاثة آلاف خلال عشرة أيام فقط، ولا يزال العدد في تصاعد جنوني.
الخبز والدم
شهدنا خلال الأيام الأخيرة حادثتين توضحان مدى استهتار إسرائيل بحياة الإنسان، واعتماد منهج التطهير العرقي في غزة خلال هذه الحرب.
الأولى، كانت اصطفاف المواطنين الفلسطينيين أمام بوابات أحد المخابز في الحي الذي أسكنه، الجميع جاء ليحصل على حصة محددة ومقننة من الخبز، في ظل مشقة الحصول على طعام. وبالعادة، خلال الحروب الماضية، وحتى في أيام هذه الحرب، فإن اصطفاف الناس في هذه الحالة، يعتبر آمنا، لكن هذه المرة يقوم الجيش الإسرائيلي بارتكاب مجزرة، ويضرب بالصواريخ تجمع السكان أمام المخبز، موقعا عشرات الضحايا.