أسدل الستار على الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين في مراكش من دون التوصل إلى الإجماع المطلوب لتحقيق التعافي الاقتصادي والتعاون الدولي لمواجهة الفقر والتضخم والمديونية والتغيرات المناخية. وبينما تضامنت مجموعة السبع الكبار (G7) حول الموقف من حرب روسيا وأوكرانيا، انقسمت مجموعة العشرين (G20) حول الحرب في غزة ومسؤولياتها، وحال الخلاف دون صدور بيان مشترك بين القوى الاقتصادية الكبرى، مما أوجد شرخا وتشرذما واضحا في كيفية التعاطي مع المقبل من أزمات الشرق الأوسط.
خلال الاجتماعات شبّهت بعض التعليقات الوضع الحالي بحرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 وتأثير الصراع على الاقتصاد والأسعار والنمو. وانتصرت روسيا والصين وتركيا للمواقف العربية، بينما أيدت الولايات المتحدة ومجموعة السبع والهند المواقف الداعمة لإسرائيل.
غموض وأخطار اقتصادية عالمية
قالت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، إن الصراع القائم بين إسرائيل و"حماس" عزز الغموض الاقتصادي؛ "إنه مصدر آخر للغموض" يهدد الاقتصاد العالمي، إلى جانب الحرب الروسية الأوكرانية، والتباطؤ الاقتصادي، وأسعار الفائدة والتضخم". ورأت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، أن الحرب بين الاسرائيليين والفلسطينيين ستكلف الاقتصاد الأميركي الكثير. الموقف نفسه عبر عنه وزير المالية الياباني، شونيتشي سوزوكي، الذي أبدى تخوفا من تداعيات محتملة ستطاول الاقتصادين الياباني والعالمي.
في الاسبوع الثاني من الحرب توقعت وكالة "بلومبرغ" أن يتكبد الاقتصاد العالمي خسائر تزيد على تريليون دولار جراء حرب إسرائيل على غزة، والتي يمكن أن تؤدي إلى التباطؤ والركود وعودة دورة التضخم وارتفاع الأسعار وأزمة الإمدادات والسلع. وهناك مخاوف حقيقية من اتساع رقعة الحرب، التي يبدو أنها في تصاعد متزايد في الخسائر البشرية المرعبة، والبنى التحتية المدمرة، والتكلفة الاقتصادية التي بلغت 20 مليار دولار في بورصة تل أبيب خلال الأسبوع الأول من الصراع، مما أدى إلى انهيار العملة الإسرائيلية الشيكل وتدخل المصرف المركزي لإنقاذها.
"بلومبرغ إيكونوميكس" أجرت دراسة للتأثير المحتمل على الاقتصاد العالمي وفق 3 سيناريوهات لكيفية تطور الصراع بين #إسرائيل و #حماس، في كل السيناريوهات سترتفع أسعار #النفط ومعدلات التضخم ويتباطأ النمو، لكن مع تباين حدة التغير
التفاصيل:https://t.co/M5entoPbg0#اقتصاد_الشرق pic.twitter.com/kmEtukIf72
— Asharq Business اقتصاد الشرق (@AsharqBusiness) October 15, 2023
وتعتقد "بلومبرغ" أنه في حال دخول أطراف إقليميين آخرين في النزاع، فإن النمو الاقتصادي العالمي قد ينخفض إلى 1,7 في المئة، وهو معدل يهدد بالإفلاس الصناعي ويضر بحركة التجارة العالمية، على غرار ما حدث قبل خمسين سنة. ويجمع المحللون أن الاقتصاد الإسرائيلي مهدد بالانهيار إذا طال أمد الحرب، لعدم قدرته على الصمود أسابيع طويلة وعلى تحمل تكلفة مالية باهظة بعد توجه القوى المنتجة إلى الخدمة العسكرية. أما قطاع غزة، فقد يتحول إلى أرض محروقة خصوصا في الشمال وستكون الخسائر البشرية كارثية.
خروج المستثمرين وضعف السياحة
وكتبت صحيفة "لي زيكو" (Les Echos) الفرنسية أن مستثمرين أجانب بدأوا يغادرون المنطقة لأسباب عدم الاستقرار والحرب. ونقلت عن وزير المالية برونو لومير "أن الأخطار الجيوسياسية تشكل حاليا التهديد الأكبر للاقتصاد العالمي سواء تعلق الأمر بالنمو أو التنمية أو الرفاه المشترك".
وتمثل إمدادات النفط أحد أبرز الأخطار في حال اتساع الصراع، كما أن حركة السياحة والسفر مرشحة للانكماش في دول منطقة الشرق الأوسط ولو بدرجات مختلفة. وتمثل السياحة أحد مصادر الدخل في جل دول المنطقة والبحر الأبيض المتوسط، وكانت اتفاقات "أبراهام" أنعشت حركة السفر بين إسرائيل والدول العربية الموقّعة، لكن الحرب الجديدة قد تدفع نحو كثير من التراجع في التنقل في الاتجاهين.