نصف عام، أكملتها الحرب في السودان منذ اندلاعها بين القوات المسلحة السودانية و"قوات الدعم السريع". ستة أشهر كانت حصيلتها 9 آلاف من القتلى المدنيين، وأعدادا ضخمة غير محصورة من القتلى العسكريين من الجانبين. تربع السودان مقعده البائس في صدارة دول العالم في أعداد النازحين واللاجئين الذين فاقوا حاجز السبعة ملايين. انقطع 19 مليون طفل عن التعليم، بينما بلغ العدد الكلي للذين يحتاجون للمعونة الإنسانية جراء الحرب حوالي 25 مليون نسمة حتى الآن.
تحولت العاصمة الخرطوم إلى مدينة أشباح، بعد أن غادرها أكثر من ثلثي سكانها، طلبا للسلامة، وفرارا من الحرب بين قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، ونائبه السابق محمد حمدان دقلو الذي يقود "قوات الدعم السريع"، بشكل رئيس في الخرطوم ومنطقة دارفور.
صور قادة الميليشيا وأبواقهم الإعلامية والسياسية لجنودهم البسطاء أنهم يحاربون في سبيل إحقاق عدالة انتهكتها شروط تأسيس دولة 1956 (تاريخ استقلال السودان)، وغذوا هذه السردية بإثارة النزعات الجهوية والمناطقية. صوروا لهم أن كل سكان الخرطوم، هم العدو الذي يحل قتله ونهبه وهتك عرضه؛ فعاث الجنود فسادا في الأرض وانتهكوا حرمات منازل الآمنين. لم يتورع أفراد الميليشيا عن توثيق وتصوير أنفسهم وهم يحتلون البيوت وينهبونها. ووثقت جماعات حقوقية في الخرطوم العشرات من حالات الاغتصاب الفردي والجماعي للنساء والفتيات، فضلا عن نهب الممتلكات والمدخرات والمنقولات.
انتشرت تسمية (أسواق دقلو، والنسب هنا لمالك الميليشيا محمد حمد دقلو) في تعريف الأسواق العشوائية التي يبيع فيها الغاصبون ما نهبوه بأسعار زهيدة مقارنة مع قيمتها الأصلية. بينما أصبحت رسائل تهديد قاطني المنازل الجدد لأصحابها الأصليين من قصص الحرب المعتادة.